: آخر تحديث

أطفال بلا هوية

8
8
7

في 10 يناير من العام الجاري، اشار استطلاع نشره مجلس شؤون الاسرة السعودي، الى ان حوالي 99% من الاطفال والمراهقين السعوديين ما بين 10 و19 عاما، يستخدمون الانترنت عن طريق جوالاتهم، وهؤلاء عرضة لمخاطر كثيرة، وقد قام المجلس منذ نوفمبر 2023، بالعمل على خطة خمسية، ضمن ما يعرف بالاطار الوطني لسلامة الاطفال على الانترنت، اشرك فيه خبراء من اليونسيف، ومن القطاع العام والخاص والخيري في الداخل، لابعادهم عن العنف أو الايذاء أو الاستغلال الجنسي الالكتروني، وتوفير بيئة انترنت آمنة لاستخداماتهم في 2028، واستند الاطار في ذلك الى المعايير العالمية، كإطار الاستجابة الوطنية للتحالف الوطني (وي بروتيكت)، وارشادات حماية الاطفال الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات، والتعليق العام رقم 25 الخاصة بالبيئة الرقمية في اتفاقية حقوق الطفل، ومعها مجموعة من ادوات الانترنت التي اصدرتها مؤسسة (رايتس)، والأمم المتحدة اختارت الرياض السعودية، لاستضافة منتدى حوكمة الإنترنت لعام 2024، وستتم فيه مناقشة المبادي الأساسية للسلامة والآمان في الانترنت، واتصور ان ما يخص حماية الاطفال سيدخل فيها.

المسألة اخطر من ذلك، فقد اشار المختصون الى ان 33% من محتوى الانترنت العالمي إباحي، مع احتمالية تعرض طفل من كل ثلاثة اطفال لهذا النوع من المحتوى، قبل وصوله لسن الخامسة، مع ما يصاحبه من انحرافات وسلوكيات غير سوية بدافع الفضول، ولا بد من ملاحظة ان 90% من ذات الطفل تتشكل في هذه الفترة، وفي دراسة قامت بها الجمعية الاميركية للاطفال، اتضح ان كل نصف ساعة يشاهدها الاطفال على شاشة الكمبيوتر، وهم تحت سن العامين، تزيد من معدلات تأخرهم في النطق بنسبة 50%، والناس قبل الانترنت والسوشال ميديا، كانوا يستطيعون التركيز على كلام الشخص بشكل كامل في اول 90 ثانية، وجاء الانترنت فتراجعت النسبة الى 45 ثانية، ومن ثم حضرت السوشال ميديا لتجعلها 12 ثانية.

استهلاك المراهقين للانترنت على اجهزتهم الخاصة، يزيد على ثماني ساعات في اليوم الواحد، وفق احصائية (كومن سينس) الاميركية، والبروفيسور الاميركي آندرسون إريكسون، كتب في مقالة نشرتها (بي بي سي)، أن متوسط عدد الساعات التي يحتاجها الشخص، حتى يصل لمستوى الاحتراف في ممارسة شيء معين، هو عشرة آلاف ساعة، واستخدام الاجهزة الالكترونية لثماني ساعات يومياً، يؤدي لفقدان أكثر من 37 الف ساعة في 13 عاماً، ما يعني اهدار فرصة اتقان ثلاثة اشياء على الأقل.

في اليابان، على سبيل المثال، لا توفر اجهزة لوحية او (آيباد) للاطفال، ولا يتركون على انفراد معها، قبل العاشرة من عمرهم، ويكون عرض محتوى الانترنت عليهم، من خلال شاشة كبيرة ومشتركة ولمدة محددة، وكشفت دراسة اميركية نشرت في مايو 2023، وشملت اربعين دولة، انه اذا اعطي الطفل جوالا او جهازا لوحيا في مرحلة مبكرة من عمره، زادت فرص معاناته من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية في مرحلة الشباب، ابرزها، التفكير في انهاء الحياة، والعدوانية تجاه الآخرين، والانفصال عن الواقع، واشارت الى انهم بلا ذوات اجتماعية، والمعنى عدم قدرتهم على التركيز بشكل طبيعي، وصعوبة قيامهم بالانشطة الاجتماعية العادية.

الجمعية السعودية للاعلام والاتصال، قدمت دراسة بحثية مهمة حول الموضوع في 2021، وجدت فيها ان الاطفال السعوديين، في الوقت الحالي، يعيشون في بيئات اتصالية كاملة، تحكمها ثلاثة اطراف اساسية تتمثل في صناع المحتوى والمحتوى المقدم والاطفال كطرف ثالث، ولاحظت ان الاطفال عندما يتفاعلون مع هذه البيئات، فإنهم لا يفرقون بين الافتراضي والواقعي، ولا يختلف في هذا كونهم صناعا للمحتوى أو مشاهدين له، ما يجعل ثقافتهم باهتة وبلا ملامح، والمثال الاوضح على ما سبق تحديات تيك توك، بالاضافة لوصول الدراسة الى معرفة محتوى الانترنت الاكثر مشاهدة من قبلهم، فقد كان تركيزهم الاكبر على يوميات العوائل المحلية وانماط حياتهم، ما عزز لديهم افكارا معينة، كعدم الرضا عن مستواهم المعيشي، رغم ان ما يعرض عليهم ابعد ما يكون عن حقيقة هذه العوائل في معظمه.

الانسب في رأيي الشخصي، هو ان تستفيد المملكة من تجربة الصين، في مجال ضبط وتقنين استخدام الانترنت للاطفال، فقد اصدرت قانوناً في سبتمبر 2023، منعت بموجبه من هم دون 18 عاماً، من الانشغال بالالعاب الالكترونية على الجوالات لاكثر من ساعتين يومياً، زيادة على ساعة ثالثة للاستخدامات الاخرى، وبما يحول دون ادمانهم عليها، أو تأثيرها على تحصيلهم الدراسي، وفي الصين، الاطفال ما بين 8 و15 عاماً، لا يمكنهم استخدام الانترنت لاكثر من ساعة، في مقابل 40 دقيقة للاطفال دون الثامنة، والحكومة لم تتحفظ في قراراها او تلطفه، مع انه يضر بأرباح شركاتها لالعاب الانترنت، والتي تقدر بحوالي 40 مليار سنوياً، واعتقد ان الكونغرس الاميركي لديه مشروع قانون مشابه، طرح في فبراير 2022.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد