: آخر تحديث

الهند.. نافذة وجسر

12
10
16
مواضيع ذات صلة

الدارس للتاريخ الثقافي لمجتمعات الخليج العربي، لا بد له أن يلاحظ مسعى الإنجليز فترة هيمنتهم على المنطقة، إلى إحكام عزلة بلدانها عن محيطها العربي، ما جعل من الهند النافذة التي أطلت منها النخب التجارية وروّاد الثقافة والأدب من أبناء الخليج على الآخر، ولعب دوراً رئيسياً في ذلك اعتماد المنطقة آنذاك على تجارة اللؤلؤ خاصّة، والتّجارة عامّة، فكانت الهند وجهة ضروريّة لتسويق حصيلة اللؤلؤ المكتشف في مياه المنطقة، ولاستيراد الكثير ممّا تحتاج إليه بلدانها من سلع ومواد للغذاء والملبس وما إليها. وتضافرت في ذلك عوامل كثيرة، بينها قرب الهند الجغرافيّ منها، والجذور التّاريخيّة للعلاقة الممتدّة بين الهند والخليج، ووقوع كامل المنطقة تحت الهيمنة البريطانيّة.

وأدى ذلك إلى أن يصبح للهند، حضارة وثقافة، دور مهم في تكوين معارف ووعي أفراد الرّعيل الأوّل من متعلمي ومثقفي أبناء المنطقة، فكون السّفر إلى الهند والإقامة فيها كانا متاحين للمتمكّنين ماليّاً من أبناء الخليج، فإنّ ذلك يسّر لأفرادها، وخاصّة منهم من حباهم الله بموهبة في مجالات الإبداع المختلفة، أن يجدوا فيها نافذة على ثقافة أخرى غير ثقافتهم أثرت معارفهم، وأن تنمو مواهبهم وتتطوّر في بيئة أكثر ملائمة لذلك، من تلك التي كانت في بلدانهم الأصليّة التي عانت ظروفاً اقتصاديّة واجتماعيّة صعبة، ومن انغلاق اجتماعيّ وثقافيّ فرض عليها، فعاد هؤلاء إلى بلدانهم بحمولة معارف وثقافة وظفوها في خدمة شعوبهم والنّهوض بها، وكان لها أبلغ الأثر فيما عرفته بلدان الخليج لاحقاً من حراك ثقافيّ أكثر تنوّراً ونضجاً.

وقراءة في سير أفراد ذلك الرحيل الأول، ستدلّنا على أن الكثيرين منهم تأثروا أكبر التأثير بإقامتهم في الهند، ولو أخذنا الإمارات مثالاً، سنقف أمام ما أتت عليه الباحثة، نورة محمد القاسمي في كتابها «الوجود الهندي في الخليج العربي»، من ذكر لأسماء بعض هؤلاء، ومن بينهم ابن إمارة الشّارقة المؤرّخ عبدالله صالح المطوّع، وحميد بن كامل، مؤسّس مكتبة اليقظة بالشّارقة، وعبيد بن عيسى النّابودة، حيث أقاموا بالهند على فترات تتراوح بين خمس وسبع سنوات.

وما ينطبق على الإمارات يصحّ أيضاً على بقيّة بلدان المنطقة، حيث لم تكن الهند فقط نافذة لهم للإطلال على فضاء ثقافي آخر، وإنما كانت أيضاً جسراً لهم للتواصل مع محيطهم العربي من خلال ما كان يصلهم، وهم في بومبي، من الدوريات العربية الثقافية الرائدة الصادرة في مصر وبلاد الشام.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد