: آخر تحديث

يعوضون جهلهم بنظرية المؤامرة

33
31
33
مواضيع ذات صلة

هناك خلط واضح لدى كثير من الناس، بين الأحداث والوقائع التي نراها وتعد حقيقة مطلقة واضحة، وبين أحداث سمعنا عنها ولم تحمل أي دلالة على واقعيتها، وأشير إلى حالة تنتشر وتتوسّع تتعلق ببعض الأحداث أو الظواهر، ويتم تفسيرها بأنها أكاذيب أو نتيجة لمؤامرة تحاك.

ويبدو أنه عندما يعجز عقل البعض عن تفسير حدث ما، فإنه يبدأ ينشد غير المعقول ليفسّر له ما حدث. على سبيل المثال، فوجئنا جميعاً بفيروس كورونا، والضرر البالغ الذي أحدثه في العالم بأسره. ومع أن انتشار الفيروسات والأوبئة والأمراض ليس شيئاً غريباً على مر التاريخ البشري، إلا أن فيروس كورونا تحديداً حظي بما لم يحظ به أي وباء أو فيروس آخر؛ لأن كورونا جاء في عصر ثورة الاتصالات، وهو ما يعني تناقل الأخبار بالصوت والصورة، بشكل سريع وإلى مختلف أرجاء الكرة الأرضية، وهذا ما جعل هناك تزاحماً في الأخبار والمعلومات عن هذا الفيروس، لدرجة التضارب والتضاد، وهذه الحالة سبّبت فوضى ذهنية لدى البعض، ونتج عنها لغو وشائعات وكثير من المغالطات، والنتيجة ظهور أصوات ترفض اللقاحات وتدّعي أن هذا الفيروس نتيجة لمؤامرة.

وهذه هي المحطة التي يتوقف عندها العقل البشري عندما يعجز عن التعاطي والتفسير والفهم، عندما يكون الحدث أكبر من فهمه ومعلوماته وعلمه ومعرفته. أبسط وأسهل ما يمكن عمله، هو تحميل المؤامرة، وأن هناك تخطيطاً يستهدف الناس، لتبرير عدم الفهم والعلم، وعندما يتم رمي الموضوع بأكمله على كاهل المؤامرة، نتخلص من عقدة الجهل وفي اللحظة نفسها، نُرضي أنفسنا، وكأننا بهذه الطريقة وضعنا سياج حماية.

إن أمعنا النظر، فإن نظرية المؤامرة تظهر وتنتشر في كل موضوع علمي نخبوي: في الفضاء والطب والهندسة، والفيزياء والمخترعات والاقتصاد والتنمية، أو بصفة عامة في كل موضوع يجهل تفاصيله وعمقه، قطاع واسع من الناس. فلا يمكن أن تجد من يرمي نظرية المؤامرة إلا في مواضيع هو يجهلها، وكأنه يعوّض الجهل بابتكار مخارج وطرق. يتورط في هذه الحالة بعض ممن يحملون شهادات علمية؛ لأنهم عجزوا عن فهم الحدث من جانبه العلمي والمعرفي، لذا لا يمانعون في استخدام نظرية المؤامرة. أعتقد أن الوقت قد حان للمحاسبة وسن القوانين الرادعة لمن يُصدر الشائعات، أو يبرر جهله ويغرر بالناس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد