كان خلاف لايبنتس ونيوتن حول اختراع التكامل والتفاضل أحد مظاهر التحول الذي نشأ في المجتمع العلمي، فلم يعد المجتمع العلمي مغلقاً، إنما اتسعت رقعته وانفتح لغير المتخصصين بفضل الطباعة الجديدة، ولأن لايبنتس سبق في نشر منهجه، انتشرت أفكاره بسرعة رغم وجود أفكار مشابهة في بريطانيا حيث نيوتن، فقد ساهم لايبنتس في نشر أعماله في المجلة العلمية الأولى في ألمانيا، التي هو من ساهم في إنشائها ونشر بها، فقد نشر ثلاث عشرة ورقة علمية في السنوات الأربع الأولى من عمر المجلة التي استمرت في الإصدار حتى بعد وفاته لعدة عقود.
كان مسرح الخلاف بين لايبنتس ونيوتن على صفحات مجلتين: مجلة آكتا في ألمانيا ومجلة المعاملات الفلسفية الصادرة من المجمع الملكي للعلوم في بريطانيا، مثلت مجلة آكتا وجهة النظر التي تناصر لايبنتس، ومثلت مجلة المعاملات الفلسفية وجهة نظر نيوتن، كانت المجلات تنشر إضافة إلى المقالات العلمية، أخباراً ومراجعات علمية ومقالات رأي قصيرة، وبتأثير من المجلتين تكون قطبان حول المسألة العلمية التي عمل طرفاها على الترويج لوجهة النظر التي ينصرونها، ليس على مستوى الأسبقية فقط، إنما على مستوى المنهج كذلك، كان الخلاف المنهجي يتناول موضوعات مختلفة في المجال الرياضي، يمكن ربطها بمنطلقات فلسفية حول وظيفة التكامل والتفاضل من وجهة نظر لايبنتس ونيوتن، إنما كان التنافس من جهة أخرى على أمر أكثر رمزية، وهي لغة التكامل والتفاضل نفسها.
اشتهرت اللغة أو الرموز التي استخدمها لايبنتس لأنها الأولى التي ظهرت مع مقالاته عن التكامل والتفاضل مما جعل التحول عنها للغة أخرى صعباً. مهما اعترف المجتمع العلمي بأسبقية نيوتن، كانت اللغة التي يستخدمها الرياضيون تشير دائماً إلى لايبنتس، كانت معركة الأسبقية معركة خاسرة ولا طائل منها إذا لم تستخدم لغة نيوتن، وهو أمر ظل بعيداً ولا بوادر له. ومهما كان الرأي الفاصل حول المسألة، تظل مسألة الخلاف نفسها مثيرة عند النظر في دوافعها وظروف نشوئها.
من المؤكد أن خلافاً أكثر أهمية يجدر به أن ينشأ في موضوع آخر، إنما شيء من ذلك لم يحدث. كان اختراع طابعة غتنبرغ اقتصادياً أكثر ربحاً، وثقافياً أوسع انتشاراً، وأعظم فائدة. ورغم أن الطابعة اشتهرت باسم مخترعها، لم يختلف الآخرون على الأسبقية أو مواصفات الصنع، إنما انشغل الجميع بالصناعة نفسها، صناعة الطباعة. ومع أن مخترع الطابعة غتنبرغ نال حقه الأدبي، إنما لم ينل من اختراعه ربحاً مادياً يضاهي الانتشار والأثر الذي أحدثه، في المقابل، وجد الرياضيون في خلاف لايبنتس ونيوتن مرتعاً خصباً لتبادل التهم والتنازع حول الأمر مدة طويلة، كانت للجوانب السياسية والقومية أن تلعب دوراً في تحريك الخلاف وتغذيته مع وجود الأدوات المناسبة لذلك، لكن فرقاً جوهرياً يجدر بنا اعتباره عند المقارنة بين الاختراعين، نتناوله في المقال المقبل إن شاء الله.