: آخر تحديث

تداعيات أخرى لحرب أوكرانيا

36
32
32
مواضيع ذات صلة

لم تكد الاقتصادات العالمية تتنفس الصعداء بعد تراجع فيروس «كوفيد-19» وبدء التعافي الاقتصادي، حتى وقعت الحرب الروسية الأوكرانية مسببةً أضراراً تفوق تلك التي نجمت عن الفيروس.

ففي الحالة الأولى كان العالم متضامناً ومتكاتفاً في العمل على تجاوز تأثيرات كورونا على الاقتصاد العالمي، أما في الحالة الثانية فيبدو العالم منقسماً على نفسه بصورة خطيرة جداً، إذ على الرغم من أنه من المستبعد حدوث مواجهة نووية بين القوى العظمى، إلا أن تأثيرات الصراع ستطال كافةَ بلدان العالَم ولو بصورة متفاوتة.

والتداعيات الاقتصادية كثيرة ومتنوعة، إلا أننا سنكتفي هنا بتلك التي تتعلق بأكبرها وأكثرها تأثيراً، أي تلك الخاصة بالارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز، واللذين وصلا لمستويات قياسية منذ عام 2008، وذلك على الرغم من أن النفط والغاز استثنيا تقريباً من العقوبات، ما عدا الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تبلغ وارداتهما من النفط الروسي 800 ألف برميل يومياً يتوفر طلب بديل لها في الأسواق الدولية، فيما عدا ذلك لا تتحمل أوضاع الاقتصاد العالمي المترنح مقاطعةَ الطاقة الروسية، وهو القرار المتعقل الذي اتخذته الدول الأوروبية انطلاقاً من مصالحها الوطنية.

وفي المقابل حرصت روسيا على ضمان إمداداتها من النفط والغاز ولم تتخذ إجراءات انتقامية، بل أكدت على أعلى المستويات أنها لن تلجأ لاتخاذ مثل هذه الخطوة. إلا أن هذه التطمينات لم تحل دون ارتفاع الأسعار بسبب المخاوف الخاصة بمسار الحرب.

أما مجموعة «أوبك+» وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كان موقفها متزناً ومراعياً لمصالح الاقتصاد العالمي، إذ استمرت في زيادة الإنتاج وفق الاتفاق السابق بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر، علماً بأن اجتماعها في شهر إبريل القادم سيشهد مناقشةَ توزيع حصص الإنتاج من جديد. دول «أوبك+»، ستستفيد بكل تأكيد من ارتفاع الأسعار والذي سيؤدي إلى تقوية أوضاعها المالية والقضاء على عجز موازناتها السنوية، بل وتحقيق فوائض جيدة.

أما أكثر المتضررين فسيكون البلدان النامية الفقيرة، والتي تعاني أصلاً بسبب الخسائر الناجمة عن «كوفيد-19»، وكذلك الدول الأوروبية التي سيعاني مواطنوها من ارتفاع كبير في الأسعار وفي مستويات التضخم، خصوصاً وأنها تفرض ضرائب على النفط تتراوح بين 80 و100% وهو ما يساوي مشترياتها من النفط تقريباً، مما يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة والتي لم تعد محتملةً للمستهلكين هناك، إذ يمكنها في هذه الحالة تخفيض هذه الضرائب لتخفيف الأعباء المترتبة على ارتفاع الأسعار.

وإذا كان اللوم في هذا التحول الدراماتيكي في أسعار النفط قد أُلقيَّ باللوم فيه على الدول المنتجة في عام 1973، بسبب الحظر الذي فرضته الدول العربية أثناء الحرب العربية الإسرائيلية، فإن اللوم في الحالة الحالية لا يقع عليها أبداً، فمعظمها ينتج بكامل طاقته الإنتاجية، كما أن روسيا امتنعت عن قطع الإمدادات لتجنب إمكانية إلقاء اللوم عليها، حيث ساعد ذلك في تفادي العالم كارثةً اقتصاديةً.

ومن هنا لم نجد احتجاجات شعبية في البلدان المستوردة تنتقد الدول المنتجة، وبالأخص في الغرب، كما حدث في السابق، إذ يقع اللوم على العقوبات المفروضة حالياً على بعض أكبر منتجي النفط، في الوقت الذي تزايدت فيه الحاجة لمصادر الطاقة للخروج من الكساد وتعافي الاقتصاد العالمي.

يحدث ذلك عندما تتداخل المصالح الجيوسياسية مع المصالح الاقتصادية في حالة من الفوضى دون أن تكون هناك فواصل بينهما بالحد الأدنى، فالمصالح الجيوسياسية مهمة لأمن الدول دون شك، إلا أن المبالغة فيها وخروجها عن سياقها المتزن يؤدي إلى نتائج عكسية تلحق الضرر بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية على حد سواء، وبالأخص تلك المرتبطة بحياة الناس ومستوياتهم ومتطلباتهم المعيشية الأساسية، إذ تكمن هنا حكمة التعقل للربط الصحيح لهذين المكونين، وهذه مسألة تتطلب فن إدارة الأزمات التي لا يتقنها البعض.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد