نيويورك - رندة تقي الدين
شرح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة في حديث خاص إلى «الحياة»، هدف الخطة التي وضعها لإنجاح مهمته في ليبيا. وقال سلامة إن الخطة تتطلب إدخال تعديلات على «اتفاق صخيرات» الذي يبقى المرجع الأساسي للحل، مؤكداً أن «إحياء المؤسسات» في جوهر خطته.
ووصف الأوضاع الأمنية بالـ «هشة»، ولكن «ليست متدهورة»، أساسها مساومات وتفاهمات محلية. وقال سلامة إنه زار مدناً ليبية عدة والتقى كل شرائح المجتمع الليبي. وأضاف: «منذ وصولي إلى ليبيا في 5 آب (أغسطس) قررت أن أولى مهماتي هي الاستماع إلى أكبر عدد من الليبيين، فذهبت إلى كل مكان تيسر لي أن أتوجه إليه. إلى طرابلس وبنغازي ومدن عدة أخرى، وهناك استمعت إلى قادة محليين ولكني استمعت أيضاً إلى مدراء مستشفيات وأساتذة جامعات وتجمعات نسائية بحيث لا يكون استماعي محصوراً بالسياسيين المحترفين. وبذلك تكونت عندي تدريجياً أفكار عما يريده الليبيون. وبما إني قلت منذ وصولي أنني إلى جانبهم وبخدمتهم ولكنني لست بديلاً عنهم، أحببت أن أعبّر عن مطالبهم في ما يريدون أن تفعله الأمم المتحدة في ليبيا. قالوا لي إنه عندما جاءنا المجتمع الدولي للمرة الأولى في عام ٢٠١١، قال إنكم بحاجة إلى مرحلة انتقالية لا تتجاوز سنة ونصف السنة، وأصبحنا في السنة السابعة ولا نريد مرحلة انتقالية جديدة بل نقلة نوعية نحو مؤسسات ثابتة. ثم سمعت شكواهم من أوضاع معيشية تصعب كل يوم. رأيت في مستشفيات آلات من النوع الممتاز عاطلة من العمل بسبب غياب الصيانة. وأقفلت كليات جامعية بسبب مغادرة الأساتذة الأجانب نظراً للفارق الكبير بين سعر الصرف الرسمي للعملة وسعر الصرف الحقيقي الذي هو يبلغ 7 أضعاف السعر الرسمي. وشهدت صفوفاً طويلة أمام المصارف لمواطنين يريدون سحب جزء من مالهم الخاص لا يتجاوز ٢٥ دولاراً، فينتظرون يوماً أو يومين أمام المصارف في طرابلس. كل ذلك في بلد كان الناتج القومي فيه للفرد ١١٠٠٠ دولار ما يضعه بين الدول المتوسطة بل الغنية في العالم. وإذا كان هناك غضب شعبي واسع فسببه أن السياسيين الذين كُلفوا بإدارة شوؤن البلاد لا يقدموا ما عليهم تقديمه من خدمات للناس، من اقتصاد وخدمات اجتماعية وتربوية».
أما على الصعيد الأمني، فلحظ سلامة اختلاف الأوضاع بين منطقة وأخرى، فقال إنه «في المنطقة الشرقية هناك إلى حد كبير ما يمكن تسميته بالأمن المفروض بوجود قوة مسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر، لا سيما بعد انتصارها على الحركات المتطرفة في بنغازي. أما في الغرب، فيسود في بعض الأماكن وليس كلها، ما يمكن تسميته بالأمن المتفاوض عليه، أي سياسيون ورجال أعمال يتفاوضون مع مجموعات مسلحة لكي لا تتقاتل في ما بينها وتحافظ على قدر معيّن من الأمن. هناك نواة لحرس جمهوري ونواة جيش في الغرب، كما هناك جيش في الشرق ونواة لإعادة إحياء حرس الشواطئ وحرس حدود لكنها ما زالت غير كافية. لذلك يسود في الغرب نوع من الأمن الهش المؤمَّن من خلال التفاوض الدائم شبه اليومي مع المجموعات المسلحة. أما في الجنوب، فالأمن غير موجود تقريباً، فالحدود غير مؤمّنة، ما يسمح بنمو عمليات الهجرة وتجارة البشر. لذلك فالوضع الأمني ليس على ما يرام».
وتابع المبعوث الدولي: «ما نشهده في ليبيا ليس انقسام البلاد إلى منطقتين أو 3 أو 4 بل عملية تشظي إلى عشرات الشظايا المحلية، حيث هناك خلافات أو مساومات أو تفاهمات محلية. لذلك ما يغلب حالياً على السياسة والأمن في ليبيا هو الطابع المحلي، الذي يشي بأمر آخر هو انعدام الخطاب الوطني، فالهوية الوطنية شبه غائبة. لا أحد يتكلم باسم ليبيا تقريباً، فكلٌّ يتحدث باسم مدينته أو قبيلته أو منطقته. لذلك يسعى كل الفرقاء لنيل حصة من عائدات النفط، والمؤسسات السياسية، ولكن يصعب حالياً العثور بين السياسيين على مَن يفكر بالوطن الليبي الجامع. صحيح أن مساحة ليبيا كبيرة، وأكبر مفاجأة لشخص مثلي هي أن حجمها يبلغ 3 مرات مساحة فرنسا ومرة ونصف مساحة مصر، مع عدد سكان متواضع يبلغ حوالى ٦ ملايين ونصف المليون نسمة، لكنهم موزعون على شبه قارة، فبالتالي يهيمن الجانب المحلي. ويمكن أن يستنفذ وسيط الأمم المتحدة كل قواه في معالجة الخلافات المحلية وينتهي بنسيان مهمته الأساسية وهي المسألة الوطنية الليبية الجامعة. ويؤدي هذا التفكك إلى تزايد التدخلات الخارجية، إما بهدف دعم فريق محلي أو بهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة أو بهدف وقف تدفق المهاجرين عبر ليبيا. وكل هذا يشير إلى ضرورة عودة الدولة لأن الحلول المطبقة حالياً من قبل الدول المتدخِلة كلها قصيرة المدى كحبات الأسبيرين. الحل الوحيد يكمن في إعادة قيام سلطة موحدة شرعية مقبولة من الجميع تقدم الخدمات لليبيين».
وتحدث سلامة عن أهم ما في خطته، فقال إن «جوهر الخطة التي نتقدم بها هو إحياء المؤسسات، إذ إن هناك حالياً ثلاثة أنواع من المؤسسات في ليبيا، بعضها انقسم قسمين أو ثلاثة، ومؤسسات خطفها مَن تسلمها، وأخرى نائمة لا تقوم بدورها. فهدف الخطة هو تحرير المؤسسات المخطوفة وتوحيد المؤسسات المنقسمة وإيقاظ المؤسسات النائمة. عملياً، مفتاح ذلك هو تعديل اتفاق صخيرات السياسي وهو أمر يحظى بتوافق واسع في ليبيا، لا بديل عنه، لغياب أي شبكة أمان خارج إطاره. فهو المرجع الوحيد المقبول، لكنه لم يعد يناسب تطور الأوضاع وثبتت في مناسبات عدة ضرورة تعديله. كما أن هناك نوعاً من الاتفاق الضمني بين الليبيين على ضرورة تعديله، لذلك دعوت وفق المادة ١٢ من الاتفاق السياسي وسبل تعديله، ممثلين عن مجلس النواب في طبرق ومجلس الدولة في طرابلس لإرسال وفدين للتفاوض على صياغة التعديلات وليس لإقامة حوار جديد، في الـ٢٦ من الجاري أي بعد أقل من أسبوع. هذه الخطوة الأولى، أما الخطوة الثانية فهي إقرار التعديلات في مجلس النواب وهو أمر يتطلب أن يضعه رئيس البرلمان السيد عقيلة صالح على رأس جدول الأعمال، وهو ما وعد به في أكثر من لقاء بيننا. ويتطلب ذلك الإتيان بالنواب للاقتراع لأن عدداً كبيراً منهم يقاطعون المجلس إما بسبب الاختلاف مع رئيسه أو لسبب أمني أو سياسي. لذلك يجب تفعيل البرلمان بسرعة كما أن للإقرار بهذه التعديلات فائدتين، أولهما تعزيز الاتفاق وملاءمته مع الظروف، أما الثانية فهي إعطاء فرصة لم تُعط بصورة كافية عند إقرار الاتفاق في عام ٢٠١٥، لأطراف عدة لكي تلتحق به وتعلن تأييدها له. ويعتبر طيف واسع من الليبيين أن مَن وافق على اتفاق الصخيرات بسرعة في عام ٢٠١٥ تملّكه بينما هو ملك كل الشعب، بالتالي يجب إعطاء فرصة للكل لدخول العملية السياسية بمن فيهم الملكيون والقذافيون والجميع». وأضاف: «تجب لملمة صفوف الليبيين وجعلهم يعودون إلى الخطاب الوطني لأن من دونه سيتشرذمون، لذلك تدعو الأمم المتحدة بعد إقرار هذه التعديلات إلى مؤتمر وطني عام لم يتم منذ عام ٢٠١١، يُعقد إما في ليبيا أو في إحدى مقرات الأمم المتحدة تتمثل فيه الشرائح المهمة في المجتمع من سياسيين إلى شيوخ قبائل ورؤساء بلديات ونقابات حرة ويتفقون على المبادئ الأساسية للنقلة النوعية».
وعن كيفية إتمام هذه النقلة النوعية، قال: «أولاً بالنظر في المسألة الدستورية من خلال الإعلان الدستوري لعام ٢٠١١، ومن خلال مشروع دستور جديد وضعته الهيئة الدستورية وأقرته في آخر تموز (يوليو) الماضي. وهناك خط موازٍ وهو إقرار التشريعات الضرورية بسرعة، لا سيما 3 قوانين، أحدها الدعوة إلى استفتاء على الدستور، ووضع قانون الانتخابات النيابية لأن الاستحقاقين الانتخابيين اللذين أجريا في عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤ تمّا بقانونين مختلفين، إضافة إلى وضع قانون للانتخابات الرئاسية».
وتحدث سلامة عن ضرورة التوصل إلى قانون انتخاب رئاسي، فقال: «نظراً إلى أن ليبيا لم تشهد انتخابات رئاسية، فكان لديها ملك ثم قائد ثم أزمة تتخبط فيها الآن، لذلك يجب وضع قانون انتخابي رئاسي. ويمكن من خلال الدستور العلم بصلاحيات الرئيس ومن خلال قانون مجلس النواب تمكن معرفة كيفية انتخاب الرئيس. كل ذلك مشروع طموح أعلم ذلك، لكنه يرد على مطالب الليبيين».
ونفى سلامة أن يكون «مسار سان كلو» للحوار بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، فشل بسبب عدم تواصل الأخير مع الأول، مؤكداً أن الطرفين في تواصل دائم من خلال مستشاريهما «في الحقيقة التواصل بين زعماء ليبيين أكبر مما يُقال. في سان كلو تعهدا لا سيما المشير حفتر، بالسعي إلى اتفاق سياسي كطريق لحل المشكلة، وتجب مساعدتهما للبحث عن الحل. الطرفان يدعوان إلى إجراء انتخابات، ونعمل بجدية إلى جانب مفوضية الانتخابات الليبية لتعزيز قدراتها لتكون جاهزة لإجرائها، ونعمل مع البرلمان ليصدر قانون الانتخابات».