الغزو الشامل للبنان أمر غير مرجح، إلا أن إسرائيل ستتخذ في الأسابيع المقبلة تدابير تصعيدية تنطوي على عمل أقوى ضد حزب الله داخل لبنان، ما يزيد خطر نشوب حرب متعددة الجبهات وطويلة الأمد بالنسبة لإسرائيل
إيلاف من بيروت: مع تصاعد وتيرة التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، يهدد السياسيون الإسرائيليون بعمل عسكري واسع النطاق ضد جماعة حزب الله. وفي أحدث بيان مثير للقلق من المسؤولين الإسرائيليين، أخبر رئيس أركان الجيش الإسرائيل هيرتسي هاليفي في 10 يناير القوات الإسرائيلية أن الحكومة ستضعهم في الأماكن اللازمة لتأمين الحدود الشمالية. كما حذرت وزارة الصحة الإسرائيلية المستشفيات في شمال إسرائيل من الاستعداد لاستقبال أعداد كبيرة من الضحايا والتخطيط لاحتمال انقطاع الإمدادات الطبية في حالة وقوع هجوم واسع النطاق لحزب الله.
وبحسب تقرير مستفيض، نشره موقع "ستراتفور" الاستخباري الأميركي، تأتي هذه التحذيرات بعد التصعيد بين إسرائيل وحزب الله الذي شهد استهداف إسرائيل لمزيد من القادة العسكريين البارزين لحزب الله في لبنان ورد حزب الله بمحاولة ضرب أهداف عسكرية إسرائيلية استراتيجية.
هذه الحوادث جزء من نمط أوسع من التصعيد المستمر بين الجانبين. فمنذ الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، حافظ الطرفان على مبدأ الردع المعقول فنفذا اشتباكات رمزية أو حدا من ردودهما الانتقامية على مرتفعات الجولان. ويأتي هذا بعد أن توصلت القيادة السياسية لكلا الجانبين إلى أن النتائج غير الحاسمة لحرب عام 2006 جاءت بتكلفة اقتصادية وعسكرية باهظة للغاية.
تصعيد مستهدف
تتلخص الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الحالية في استخدام التصعيد المستهدف للضغط على حزب الله لحمله على الانسحاب من الحدود. وتعتمد هذه الاستراتيجية على التصعيد المستمر للهجمات المستهدفة ضد قادة حزب الله العسكريين واغتيال قادة حماس في عمق لبنان للإشارة إلى التهديدات الوجودية لقادة حزب الله. تتطلب هذه الإستراتيجية موارد عسكرية إسرائيلية أقل وتسمح للحدود الشمالية بالبقاء محمية بقوات الاحتياط بينما تواصل الوحدات القتالية في الخطوط الأمامية عملياتها في قطاع غزة. كما يشير ذلك إلى اهتمام إسرائيل المستمر بالتوصل إلى نتيجة سياسية تشهد تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701 وانسحاب قوات حزب الله من جنوب لبنان. لكن هذه الاستراتيجية تخلق حوافز سياسية جديدة تدفع حماس وحزب الله إلى الانتقام من إسرائيل بشكل مباشر بسبب عملياتها، خاصة في ما يتصل باغتيال كبار القادة والمسؤولين. يعزز هذا الرد الانتقامي بدوره الضرورة الاستراتيجية لإسرائيل المتمثلة في إبعاد المسلحين عن الحدود من أجل الحد من فعالية هجمات خصومها.
إذا فشلت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الحالية في إنشاء منطقة عازلة، مرجح أن تصعد إسرائيل هجماتها الأكبر على البنية التحتية العسكرية لحزب الله لزيادة الضغط على هذه الجماعة المسلحة، بما في ذلك استخدام غارات برية متواصلة وضربات أعمق خارج المنطقة الحدودية الجنوبية. ومرجح أن يشمل سيناريو التصعيد هذا المزيد من المدفعية والدبابات والقوة الجوية ضد مواقع حزب الله الراسخة مع احتمال شن غارات محدودة قصيرة المدى من قبل قوات العمليات الخاصة، لكنه لن يشمل إرسال قوات حاشدة داخل الأراضي اللبنانية. وسيكون الهدف من هذا التصعيد إرسال إشارة إلى حزب الله ولبنان بأن إسرائيل تستعد لعمليات توغل برية يمكن أن تؤدي إلى إشعال حرب واسعة النطاق. ويمكن أن تبدأ هذه الحملة حتى قبل أن ينهي الجيش الإسرائيلي عملياته في غزة وتعود الوحدات القتالية على الخطوط الأمامية إلى الشمال، حيث ستعتمد على القوات الجوية الإسرائيلية وألوية الاحتياط المنتشرة بالفعل في المنطقة. لكن مرجح أن تتسبب هذه الاستراتيجية في مقتل المزيد من المسلحين والمدنيين. وهذا من شأنه أن يحفز المسلحين مرة أخرى على تصعيد عملياتهم الانتقامية ضد إسرائيل.
محصن وقوي
قام حزب الله بتحصين جزء كبير من جنوب لبنان بالمخابئ وغيرها من البنى التحتية المصممة للتخفيف من القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، ما يجعل من غير الواضح حجم الضرر الذي يمكن أن يسببه الجيش الإسرائيلي مع هذا النوع من التصعيد ويمنح حزب الله القدرة على مقاومة هذه الجهود.
مرجح أيضاً أن تؤدي الحملة الجوية والمدفعية المتصاعدة إلى سقوط المزيد من الضحايا بين المدنيين، ما يزيد من عزلة إسرائيل دبلوماسياً ويدفع الحكومة اللبنانية أقرب إلى دعم حزب الله بدلاً من الضغط عليه للانسحاب.
في حال فشلت هذه الهجمات، ستستخدم إسرائيل التوغل البري على مستوى الكتائب في جنوب لبنان لتطهير الأراضي والسيطرة عليها من المسلحين والإشارة إلى أن إسرائيل قد تصعد إلى غزو واسع النطاق. إسرائيل مقيدة في اختيار تنفيذ غزو واسع النطاق، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن احتلال غزة يعني أن مواردها سوف تستنزف؛ ولذلك فهي ليست حريصة على الاستيلاء على الأراضي في لبنان والاحتفاظ بها بشكل دائم كما فعلت في الفترة من عام 1982 إلى عام 2000.
خيار مطروح
لكن يمكن إسرائيل أن تشير إلى أن مثل هذا الخيار مطروح من خلال تنفيذ عمليات توغل برية محدودة بكتائب كاملة في جنوب لبنان وبألوية الخطوط الأمامية التي ستكون قادرة على ذلك. للاستيلاء على المنطقة والاحتفاظ بها مؤقتًا. وستركز هذه العمليات على تطهير الأراضي والسيطرة عليها، وتدمير البنية التحتية لحزب الله، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بقدرات حزب الله العسكرية ومقاتليه قبل الانسحاب من المنطقة، وهي حملة قد تستمر أشهرًا.
ومرجح أيضًا أن تقترن هذه الاستراتيجية بحملة جوية متصاعدة في جميع أنحاء لبنان، تشمل ضربات عميقة في معقل حزب الله في البقاع وبيروت. لكن هذه الاستراتيجية قد تعيد صياغة الحوافز السياسية التي قد تدفع حزب الله مرة أخرى إلى الانتقام والتشبث بقتال أطول أمداً، وخاصة إذا تسببت التوغلات البرية الإسرائيلية في حشد المواطنين والساسة اللبنانيين لدعم حزب الله كما حدث في عام 2006. في هذه الحالة قد تجد إسرائيل نفسها عالقة في موقف حرج.
تتطلب الحملة البرية عودة الألوية الرئيسية للقيادة الشمالية من غزة وإعادة تسليحها، ما يعني أن التوغلات المستمرة غير محتملة حتى يسيطر جيش الدفاع الإسرائيلي على قطاع غزة. وستواجه التوغلات البرية للجيش الإسرائيلي مقاتلي حزب الله المتمرسين في القتال والذين يتمتعون بسنوات من الخبرة في سوريا، ما قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي من شأنها أن تضعف الدعم الشعبي في إسرائيل لحملة عسكرية هناك.
إنتقام إيراني!
لإسرائيل خيار تكرار غزو واسع النطاق بمجرد انتهاء العمليات القتالية في غزة، على الرغم من أن القيام بذلك سيؤدي إلى انتقام إيراني مباشر ضد إسرائيل نفسها، ما يجعل هذا غير مرجح. وقد تنظر إسرائيل في هذا الخيار فقط إذا حصلت على دعم دبلوماسي كامل من الولايات المتحدة، وأكملت أهدافها العسكرية الرئيسية في غزة، ولديها وحدة سياسية داخلية في الداخل ودعم للعملية، وإذا صعد حزب الله هجماته إلى مستوى ما، مثل شن ضربات على مدن إسرائيلية، ما يجعل من المستحيل تجاهل تهديده.
غزو مماثل لاجتياح 1982 غير مرجح، على الرغم من أن هذا السيناريو قد يظهر بمرور الوقت إذا تورطت إسرائيل في حرب حدودية مع مسلحي حزب الله وأصبحت غير قادرة على طردهم. في هذا السيناريو، ستحتاج إسرائيل إلى تعبئة ألوية الخطوط الأمامية واستدعاء قوات الاحتياط اهجوم كبير داخل لبنان، وهو الأمر الذي قد يحدد هدف الوصول إلى نهر الليطاني كما فعل الإسرائيليون في عام 2006.
تشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي حزب الله يصل إلى ضعف عدد مقاتلي حماس، ما يعني أن الغزو الإسرائيلي سيواجه قوة أقوى كثيرًا مما يواجهه في غزة. وهذا من شأنه أن يمدد الحملة بالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي استغرق شهرين ونصف في غزة للسيطرة على منطقة جغرافية أصغر مع عدد أقل من الأعداء. إلى ذلك، يرتبط حزب الله بشكل مباشر بإيران عبر سوريا والعراق، ما يعني أن إعادة إمداده بالسلاح أسهل كثيرًا.
المصدر: "ستراتفور"