طهران: سعت إيران عبر ضرباتها الصاروخية في سوريا وإقليم كردستان العراق الى القيام بعرض قوة في ظل توتر إقليمي حاد على خلفية الحرب في غزة، لكنها أبقته ما دون مستوى التسبب بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وفق ما يرى محللون.
وأعلن الحرس الثوري ليل الإثنين الثلاثاء أنه استهدف بصواريخ بالستية "مقرات تجسس وتجمع الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في المنطقة"، مؤكدا تدمير "مقر لجهاز الموساد الصهيوني" في إقليم كردستان، وتجمعات لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وأكد الحرس أن هذه الضربات أتت ردّاً على هجمات مباشرة وغير مباشرة طالت الجمهورية الإسلامية في الآونة الأخيرة، خصوصا عمليات اغتيال منسوبة لإسرائيل طالت أسماء بارزة في "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، وهجمات دامية في جنوب إيران بينها تفجيران انتحاريان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي واعظ لوكالة فرانس برس "كان ثمة قدر هائل من الضغط على القيادة في طهران لعرض عضلاتها ردا على سلسلة من النكسات التي منيت بها في الأسابيع الماضية".
وأضاف "هذا استعراض قوة بهدفين مزدوجين هما إرضاء القاعدة الأساسية (المؤيدة) في الداخل، والبقاء تحت سقف تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل".
تفادي "مواجهة شاملة"
وندّدت وزارة الخارجية العراقية في بيان بـ"الاعتداءات" على إربيل عاصمة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، واستدعت سفيرها في طهران للتشاور.واعتبرت أن الضربات "عدوان على سيادة العراق وأمن الشعب العراقي".
وأفادت سلطات الإقليم بمقتل "أربعة مدنيين" على الأقلّ وإصابة ستة آخرين. ومن بين القتلى رجل الأعمال البارز في مجال العقارات بشراو دزيي وزوجته.
كما ندّدت المتحدّثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون بـ"سلسلة ضربات متهوّرة وغير دقيقة"، مؤكّدة أنّه "لم يتمّ استهداف أيّ طواقم أو منشآت أميركية" في كردستان.
وطالت الصواريخ الإيرانية سوريا كذلك.
وأكد الحرس أنه استهدف "أماكن تجمّع القادة والعناصر الرئيسية للإرهابيين (...) وخصوصا تنظيم داعش، في الأراضي المحتلّة في سوريا".
وقال إنّ قصفه في سوريا أتى "ردّاً على الفظائع الأخيرة للجماعات الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد مجموعة من مواطنينا الأعزاء في كرمان وراسك".
في الثالث من كانون الثاني (يناير)، وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان بجنوب إيران قرب مرقد القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وذلك خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الرابعة لمقتله بغارة أميركية في العراق. والتفجيران اللذان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية، أوقعا نحو 90 قتيلاً.
وفي كانون الأول (ديسمبر) قتل 11 شرطياً إيرانياً في محافظة سيستان-بلوشستان في جنوب شرق إيران تبناه تنظيم "جيش العدل" السني المتطرف.
وأتت الضربات في سياق إقليمي متوتر على خلفية الحرب بين إسرائيل، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) المنضوية ضمن "محور المقاومة"، ومخاوف من اتساعها الى نزاع إقليمي.
وأوردت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أن الصواريخ التي طالت سوريا عبرت "مسافة تزيد عن 1200 كيلومتر" بعد إطلاقها من جنوب غرب الجمهورية الإسلامية. ورأت في ذلك "رسالة واضحة من إيران الى الكيان الصهيوني" بشأن المدى الذي يمكن أن تبلغه الصواريخ الإيرانية.
ويعدّ برنامجا الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة اللذان تمّ تطويرهما محليا بنسبة كبيرة، من المقدرات العسكرية التي أعطت الجمهورية الإسلامية دورا وازنا في الشرق الأوسط وأثارت انتقادات أعدائها خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل.
ورأى خبراء أن الضربة الصاروخية هي مؤشر على أن طهران ماضية في مساندتها لحماس لكن ضمن هوامش تمنع اتساع نطاق التصعيد الى مستويات غير مرغوبة.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران توحيد أسدي إن طهران "تواصل دعم الحملة المناهضة لإسرائيل بقوة" خصوصا بشأن الحرب في غزة، مضيفا "لكنها تدرك أن التدخل المباشر يهدد بإدخال المنطقة في مواجهة شاملة".
حرب إقليمية "على نار هادئة"
ووجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام لإيران بالوقوف خلف تصعيد العمليات على جبهات مختلفة في المنطقة منذ بدء الحرب في غزة، خصوصا القصف اليومي من حزب الله اللبناني على مواقع عسكرية إسرائيلية، وهجمات الحوثيين في اليمن التي تستهدف سفنا تجارية مرتبطة بإسرائيل قرب باب المندب وفي البحر الأحمر، واستهداف فصائل عراقية لقواعد تضم قوات أميركية في العراق وسوريا.
ونفذت واشنطن ضربات في العراق وسوريا تستهدف مجموعات مقربة من إيران. كما شنّت وبريطانيا ضربات ضد الحوثيين.
من جهتها، نفت طهران هذه الاتهامات، وشددت على أن المجموعات في "محور المقاومة" تتحرك وفق أجنداتها الخاصة. لكنها حذرت من أنه لا مفر من التصعيد في الإقليم ما لم تتوقف حرب غزة التي دخلت شهرها الرابع.
واعتبر الأستاذ الجامعي الإيراني فياض زاهد أن لا مصلحة لواشنطن وطهران والأطراف الآخرين "بمواجهة مباشرة. الا أن كلا منها يلعب أوراقه الخاصة".
وأوضح أن "من خصائص" السياسة التي رسمها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على مدى العقود الماضية "تفادي الحرب لكن مع السعي للإبقاء على هيمنة قوى إيران العسكرية والحفاظ على أمنها".
وفي ظل هذه التوترات على جبهات مختلفة، رأى واعظ أن الحرب الإقليمية باتت أمرا واقعا في الشرق الأوسط.
وأضاف "أحداث الساعات الأربع والعشرين الماضية أظهرت بوضوح أنها (الحرب الإقليمية) قد بدأت بالفعل، على الرغم من أنها ما زالت على نار هادئة".