يختبئ الساسة البريطانيون من المحافظين والعمال وراء اقتراح غير قابل للتحقيق لتغطية دعمهم لاستيلاء إسرائيل على فلسطين
إيلاف من بيروت: حل الدولتين لم يعد ممكنًا. كانت تلك كلمات صادقة من السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة تسيبي هوتوفيلي، التي أنكرت في لحظة نادرة كارثة إنسانية في غزة، وامتلكت الجرأة لرفض فكرة أن الفلسطينيين يُقتلون بسبب القصف الإسرائيلي. مع ذلك، تم تأطير اعترافها بأن حل الدولتين صار خارج المعادلة وأن الدولة الفلسطينية المستقلة مستحيلة سياسياً بأنه "تطور سياسي مؤسف وغير مرحب به"، كما يقول الكاتب والصحفي البريطاني الفلسطيني الأصل حمزة علي شاه.
يضيف: "المغزى غير المباشر هو أنه نتيجة لهجوم 7 أكتوبر، عندما هاجمت حماس إسرائيل، فإن الظروف السياسية المتغيرة تجعل قيام دولة فلسطينية مشكلة. الحقيقة أبسط من ذلك: حل الدولتين، أو أي إطار ملموس يدعم إقامة الدولة الفلسطينية، أمر غير قابل للتحقيق لأن عقوداً من سياسة الدولة الإسرائيلية تعمل على منعه".
أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل لا لبس فيه في يوليو الماضي أن على إسرائيل أن تسحق أي طموح لإقامة دولة فلسطينية. هذه ليست وجهة نظر جديدة. في حملته الانتخابية في عام 2015، أوضح نتنياه نفسه أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية. وفي خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام، قدم خريطة تظهر الشرق الأوسط الجديد، حيث الضفة الغربية وقطاع غزة جزء من إسرائيل.
كرب دائم
يقول علي شاه: "حالة الكرب الدائم هي النوع الوحيد من الدولة الفلسطينية الذي ترغب إسرائيل في استيعابه. مع ذلك، يبدو أن حزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا يعيشان في عالم وهمي، حيث لا يزال حل الدولتين حيا، وحيث تسمح إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. وقد كرر زعيما الحزبين تلك المواقف السياسية في الأسابيع الأخيرة".
من خلال الإصرار على التلاوات الآلية حول حل الدولتين، توفر الطبقة السياسية في بريطانيا الستار المثالي لإسرائيل في حين تعمل عمداً على إلغاء إمكانية إقامة دولة فلسطينية وترسيخ واقع دولة الفصل العنصري الواحد. والواقع أن خريطة نتنياهو التي محت فلسطين رسمت بشكل مخيف المسار الذي لا يمكن إنكاره على الأرض.
يقول علي شاه: "شهد هذا العام قيام الحكومة الإسرائيلية باتخاذ خطوات قاسية لضم الضفة الغربية. خلال الأشهر الستة الأولى من العام، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء عدد قياسي من الوحدات السكنية للمستوطنين. ووفقا للأمم المتحدة، يعيش الآن نحو 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وهو العدد الذي ارتفع بمقدار 180 ألف منذ عام 2012. كما تتزامن الاستراتيجية الإسرائيلية مع تكثيف عمليات هدم المساكن. خلال الربع الأول من العام، هدمت السلطات الإسرائيلية أيضًا 290 مبنى يملكه فلسطينيون وأجبرت الناس على هدمها أو صادرتها في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أجبر العديد منهم على مغادرة مجتمعاتهم. ويمثل هذا زيادة بنسبة 46 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2022".
سجل دموي
حيثما لم يتم تهجير الفلسطينيين، كانت حياتهم تحت رحمة قوات إسرائيلية لا ترحم. في الفترة من 1 يناير إلى 6 أكتوبر من هذا العام، قتلت إسرائيل عددًا من الفلسطينيين في الضفة الغربية أكبر مما قتلته في أي عام آخر منذ عام 2005. يقول علي شاه: "التطهير العرقي المنهجي ضد الفلسطينيين أمر لا يمكن إنكاره، حتى قبل أن تمنح إسرائيل الضوء الأخضر الدولي لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم جماعياً بعد 7 أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، تصف منظمات حقوق الإنسان السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها الأشد عدوانية منذ عام 1967، إذ صار المستوطنون أكثر جرأة ورعبًا. وسجلت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 281 هجومًا شنها مستوطنون ضد فلسطينيين في الضفة منذ 7 أكتوبر، وقتل ما لا يقل عن 15 فلسطينيا على يد المستوطنين خلال الأسابيع الستة الماضية. في الوقت نفسه، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 200 فلسطيني، بينهم 52 طفلا، في الفترة نفسها".
يضيف علي شاه: "عندما يتباهى الوزراء الإسرائيليون علناً بإطلاق النكبة الثانية بينما يظهر وزراء سابقون آخرون على شاشات التلفزيون للتأكيد وجوب ترحيل مليوني شخص لأنه ذلك هو السيناريو الأمثل لمستقبل غزة، تصبح علامات الاستيلاء على الأراضي ملحوظة بشكل مؤلم".
بحسبه، عندما يلمح نتنياهو ووزيره بتسئليل سموتريتش إلى أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة العملياتية والأمنية على غزة، فهذا هو المرادف الفعلي للاحتلال، ولمزيد من المعاناة والدمار. والأسوأ من ذلك أنه في الظروف المؤسفة، كما هي الحال في الضفة الغربية، يبدو أن احتلال إسرائيل هو الخيار الأقل سوءاً.
أصدر مركز أبحاث يتمتع بعلاقات وثيقة مع نتنياهو تقريراً بعد وقت قصير من 7 أكتوبر يدعو إلى "نقل سكان غزة وتوطينهم نهائياً خارج القطاع"، واصفًا الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها "فرصة فريدة ونادرة" لتنفيذ هذه الخطة.
نموذج انتهى
الطبقة السياسية في بريطانيا، من عمال ومحافظين، التي صوتت ضد وقف إطلاق النار، تعارض وتجرم بأغلبية ساحقة السبل غير العنيفة التي تسعى إلى عزل إسرائيل، كفرض العقوبات مثلًا، لا تتورع عن تسليح آلة الحرب الإسرائيلية.
يقول علي شاه: "ترفض هذه الشخصيات بشكل أساسي وصف الفصل العنصري، ما يدل على أنهم مهتمون بالحفاظ على تقليد السياسة الخارجية البريطانية المتمثل في دعم النظام الاستعماري فحسب"، مضيفًا: "هناك نقطتان محددتان لا مفر منهما: في حين أن نموذج الدولتين انتهى، فإن النضال من أجل الحرية الفلسطينية لن يختفي مهما كانت الظروف. وثانياً، المؤسسة السياسية البريطانية ليست بالتأكيد حليفة في هذا الصراع".
وبينما يطالب المسؤولون الإسرائيليون بأن تصبح غزة "مكانًا لا يصلح للحياة البشرية"، وبينما يردد الجيش المقولة هذه نفسها، يخطئ من يشير إلى أن هذا مجرد موقف متشدد غير تقليدي تجاه الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المصدر: "ديكلاسيفايد يو كاي"