إيلاف من دبي: أعربت الصين وروسيا عن قلقهما إزاء خطة تقسيم قطاع غزة، وهو ما ترجمته جميع وسائل الإعلام والصحف الرسمية الصينية، كما ذكر مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط أن بكين تعتقد أن الوضع في غزة خطير للغاية مع وتزايد احتمال وقوع هجوم بري واسع النطاق وسط نظرة مستقبلية مثيرة للقلق في ظل انتشار الصراعات المسلحة على الحدود على أكثر من جبهة.
في مقالة نشرها موقع "مودرن ديبلوماسي"، تكتب ناديا حلمي، الأستاذة المشاركة في العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد في جامعة بني سويف المصرية، والخبيرة في العلاقات الصينية الإسرائيلية: "تحاول الصين وروسيا لعب دور من خلال حلفائهما في الشرق الأوسط لوقف عملية تقسيم وتفتيت قطاع غزة، ومحاولة تهجير سكانه قسراً إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن. نحن أمام عملية تقسيم الشرق الأوسط الجديد وفق الخطة الإسرائيلية والأميركية الجارية. ويعود تاريخ دعم الصين لحركات المقاومة الفلسطينية إلى زمن مؤسس الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ، الذي أرسل الأسلحة إلى الفلسطينيين كجزء من دعم ما يسمى بحركات التحرير الوطني حول العالم. بل إن ماو تسي تونغ قارن إسرائيل بتايوان التي تتمتع بدعم الولايات المتحدة. وأثارت الصين، إلى جانب روسيا، استياء إسرائيل برفضها الانضمام إلى الولايات المتحدة ودول أخرى في تصنيف حماس منظمة إرهابية ".
سيناريوهات متطرفة
بحسب حلمي، كان الصدع الأخطر في المشهد الجيوسياسي بين أصدقاء وحلفاء الصين وروسيا، وأصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة. يتألف جوهر المحور الصيني الروسي، الذي يطلق عليه أحيانا "محور المقاومة"، من إيران وحزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، وميليشيات عراقية مختلفة مسلحة ومدربة من قبل إيران. ويدعم الإيرانيون أيضًا حماس والجهاد الإسلامي في غزة. ومن هنا فإن الصين وروسيا، بحكم قربهما من إيران، تعتمدان على الدخول إلى الشرق الأوسط عبرها، خصوصًا بعد أن أصبحت إيران مؤخراً جزءاً مهماً من المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، إضافة إلى شراء الصين كميات كبيرة من النفط الإيراني.
تقول حلمي: "نجد أنفسنا أمام سيناريوهات إسرائيلية متطرفة في غزة، مع تصاعد هيمنة الأحزاب والحركات الدينية والسياسيين المتطرفين. تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية عملية إسرائيلية منظمة وممنهجة، تحاول إسرائيل من خلالها تقويض مبدأ حل الدولتين، فتبذل محاولات مستمرة لترسيخ فكرة استحالة تجسيد وحدة الأرض والشعب والنظام السياسي". بحسبها، الهدف الإسرائيلي من وراء سياسة الإغلاق المستمر منذ سنوات في قطاع غزة هو في المقام الأول الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي منع إقامة الدولة الفلسطينية، والقضاء على فرص حل الدولتين، وتحويل الفلسطينيين من شعب موحد إلى مجموعات منفصلة في غزة والضفة الغربية والقدس.
تضيف حلمي: "لا بد من فهم الخطة الإسرائيلية طويلة المدى وراء عملياتها العسكرية المستمرة داخل قطاع غزة. فالرؤية الصحيحة في الوقت الحاضر تكمن في ضرورة إيجاد حل سياسي توافقي للصراع الداخلي في فلسطين أولا، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة غزة وفق رؤية وطنية فلسطينية، بعيدا عن مشاريع خارجية ترغب أطراف أوروبية في تنفيذها بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية بميولها المتطرفة. ويجب أن نفهم خطة نظام التصاريح التي فرضتها السلطات الإسرائيلية على سكان غزة لمغادرة القطاع بغرض التعليم أو العمل أو العلاج أو لم شمل الأسرة أو أي سبب آخر، والتي تعد أحد الأشكال الأساسية لمنع إقامة الدولة الإسرائيلية".
شرعية موازية
وفقًا لمقالة حلمي في موقع "مودرن ديبلوماسي"، المحاولات الإسرائيلية والأميركية لتفتيت قطاع غزة وتهجير سكانه قسراً تقضي على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في المستقبل، وتقوض مبدأ حل الدولتين وإقصاء السلطة الفلسطينية من دائرة العمل السياسي، ما يترك سكان الضفة الغربية والقدس من دون قوة تمثلهم، وهذا يضعف مقاومتهمويفقدهم هويتهم الوطنية والسياسية في المستقبل. لقد رسّخ نظام التصاريح الإسرائيلي لسكان قطاع غزة للعمل والتنقل والدراسة وغيرها ما نراه اليوم من التفتت الخطير لوحدة الأراضي الفلسطينية وسكانها، وقد عززه الجدار الذي أقامته إسرائيل حول الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى نظام نقاط التفتيش العسكرية في الضفة الغربية، وضم القدس وعزلها عن باقي الأراضي الفلسطينية.
تقول حلمي: "علينا أن نفهم إلى أي مدى يمكن الصينيون والروس أن يؤدوا دوراً في ما يحدث، وأن يوقفوا تلك الخطة الإسرائيلية لتفتيت القطاع، ومهم ما أعلنه المبعوث الصيني لدى الأمم المتحدة تشاي جون، من أن الصين قدمت وستواصل تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للفلسطينيين. كما نشرت وسائل الإعلام الصينية مقالات تتهم الولايات المتحدة بتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتدمير قطاع غزة وتهجير سكانه".
وتختم حلمي مقالتها بالقول: "وفقاً لتحليل دقيق للمشهد، إذا تمكنت موسكو وبكين من ترسيخ شرعية موازية أو صنع قطب مواز، والدفع جانباً بالعالم الأحادي القطب المهيمن، ممثلاً بالولايات المتحدة، فإن دورهما سيظل قائماً، وسيكون فاعلًا في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية الحالية في غزة، ووقف تقسيم القطاع وتفتيته وفق الخطة الإسرائيلية".
تضيف حلمي: "هنا نجد الدور الصيني والروسي في زيادة الضغوط على واشنطن في العواصم الغربية قبل منطقة الشرق الأوسط التي ترفض سياساتها الداعمة لإسرائيل وقتل المدنيين. كما أن الدعم الأميركي لإسرائيل سيمنح الصين فرصة لتوسيع مبيعات الأسلحة للدول العربية غير الراضية عن موقف الولايات المتحدة، لكن بكين تريد حل الأزمة لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها ناديا حلمي ونشرها موقع "مودرن ديبلوماسي"