إسرائيل في عطلة، والمدارس مغلقة، وبعيداً عن مناطق الخطوط الأمامية، تمتلئ مراكز التسوق، وتمتلئ محال الحلوى بالكعك الذي يحب اليهود تناوله خلال عيد الحانوكا، الذي تحتفل به إسرائيل في الوقت الحالي.
ويختلف الأمر كلما اقتربت من مناطق القتال، فعلى طول حدود غزة، وهي المنطقة التي يُسميها الإسرائيليون "الغلاف"، تتحرك الدبابات والقوات، ويبقى معظم المدنيين في أماكن أخرى، إذ تبدو هذه المنطقة أنها منطقة حرب.
وفي الشمال، على طول الحدود مع لبنان، أُخليت أيضاً التجمعات السكنية في المنطقة، ويواصل الجيش تبادل إطلاق النار مع حزب الله، حليف إيران الأقوى.
لكنّ الزوار العاديين قد يتمكنون من خداع أنفسهم بأن الحياة قد عادت بطريقة أو بأخرى إلى "طبيعتها" في وسط إسرائيل، وهي المنطقة الواسعة من الأراضي الواقعة بين القدس وتل أبيب.
ولكنّي تذكرت بغتةً مدى خطأ هذا الانطباع عندما توجهت بالسيارة إلى تل أبيب.
انطلقت صافرات الإنذار بسبب غارة جوية، وأرسل تطبيق التنبيه الأحمر الذي يستخدمه الإسرائيليون على هواتفهم التحذيرات، بينما انحرفت السيارات مسرعةً إلى أقصى جانب الطريق حتى يتمكن من بداخلها من التوقف للاحتماء، وسارع السائقون الآخرون للخروج من المنطقة بسرعة، وفي حالة الارتباك تلك اصطدمت ثلاث سياراتٍ ببعضها.
توقفنا عندما غادرت مجموعة من النساء سيارتهن، واحتضنّ بعضهن في ذعر.
فوقنا، كنا نرى مسارات البخار المنبعث من نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ والمتجه نحو الصواريخ القادمة من غزة، وقعت انفجاراتٌ مدويّة أثناء إسقاط معظم القذائف، وأصيب رجل في حولون، قبالة الطريق السريع.
الصدمة العميقة التي يعانيها الإسرائيليون
حماس لا تزال قادرةً على مهاجمة إسرائيل وهو ما يدل على أنها لم تُهزم، ويدل رد فعل سائقي السيارات على عمق الصدمة التي ألحقتها حماس بإسرائيل، وهو بلا شك خبرٌ جيدٌ لقادة حماس الذين تعتقد إسرائيل أنهم موجودون في مكان ما تحت غزة، في جزءٍ من شبكة الأنفاق.
وقال اللواء المتقاعد عاموس يادلين، بينما كنا نستعد لإجراء مقابلة في مكتبه في تل أبيب، المطل على وزارة الدفاع الإسرائيلية "في البداية، انسَ كل ما كنت تعتقد أنك تعرفه عن إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لقد تغير كل شيء"، وكان يادلين طياراً مقاتلاً مخضرماً، تقاعد كرئيسٍ للمخابرات العسكرية الإسرائيلية.
قررنا إجراء مقابلةٍ معه للحصول على فكرةٍ عن استراتيجية الحرب الإسرائيلية، كل ما قاله كان مثيراً للاهتمام لما أوضحه عن المزاج العام في إسرائيل.
وقارن يادلين حرب إسرائيل ضد حماس بالحرب العالمية الثانية عدة مرات، كان يدافع عن العدد الهائل من عمليات القتل التي قامت بها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ويشير إلى أنّ القضاء على حماس أمر حاسمٌ لمستقبل إسرائيل.
وفي إشارةٍ إلى تدمير مدينة دريسدن في ألمانيا على يد سلاح الجو الملكي البريطاني عام 1945، قال يدلين: "لقد قصفتم 120 ألف شخص في مدينة دريسدن، وقتلتم النساء والأطفال، ونحن نحاول تجنب هذه الأضرار الجانبية، ونطلب منهم المغادرة، نطلب منهم ذلك، نطلب منهم الذهاب إلى الجزء الجنوبيّ من غزة".
ذكرته بأنّ إسرائيل تقصف أيضاً المناطق التي قالوا للفلسطينيين إنها ستكون آمنة، وأصرّ يادلين على أن إسرائيل تقصف حماس، وليس المدنيين.
"لا، لم نقصفهم. لقد قصفنا أهداف حماس. فقط أهداف حماس وحماس تستخدمهم كدرعٍ بشرّي".
ورفض يادلين انتقادات إدارة بايدن في الولايات المتحدة بأنّ إسرائيل تقتل أعداداً كبيرةً جدًا من المدنيين الفلسطينيين، وقال إنّ إسرائيل كانت أكثر حرصاً على تجنب سقوط ضحايا من المدنيين مما كانت عليه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عندما كانتا تقصفان الجماعات الجهادية في سوريا والعراق.
ولا يشاركه في تفسيره جنرالات سابقون شاركوا في الحربين في العراق وأفغانستان، إذ أخبرني ضابطٌ بريطانيٌ رفيع المستوى أنه شعر بالفزع من ازدراء إسرائيل لقوانين الحرب التي تنص على حماية المدنيين، وقال إنه لن يُسمح به في الجيش البريطاني.
ويعتقد عاموس يادلين، الذي لا يزال يقدم المشورة لخلفائه في الجيش الإسرائيلي، أنّ إسرائيل تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت لتحقيق أهدافها الطموحة في غزة، إذ إنها تريد إنقاذ رهائنها، وقتل قادة حماس، والقضاء عليها كتشكيلٍ عسكري يمكن أن يهدد الإسرائيليين، ويدمر قدرة الحركة على الحكم.
وأشرتُ إلى أنّه على الرغم من أنّ الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضد القرار الأخير لوقف إطلاق النار، فإنها ألمحت إلى أنّ إسرائيل أمامها أسابيع وليس أشهر لإنهاء ما تريد القيام به.
فعلق يادلين قائلا: "لا يكفي تحقيق الهدف"، مُضيفًا "إذا كان هناك وقفٌ لإطلاق النار دون إعادة بقية الرهائن، فلن يكون هناك وقفٌ لإطلاق النار".
وتمتلك إسرائيل جيشاً قوياً للغاية، كما تحظى بدعم الولايات المتحدة، ولكنها تكتشف أنه على الرغم من اقتناعها العميق بأنه ليس لديها خيار آخر غير تدمير غزة للقضاء على حماس، فإنّ حلفاءها ومنتقديها يشعرون بالفزع إزاء الطريقة التي قتلت بها أكثر من 18 ألف فلسطيني، ربما كان نصفهم من الأطفال.
واكتشفت إسرائيل أيضاً، كما حذر الأمريكيون وآخرون، أنّ قتال عدوٍ عنيدٍ ومجهزٍ في منطقة سكينة هو من أصعب المهام العسكرية.
كما أشار يادلين، يبدو أنّ الإسرائيليين مصممون على المضي قدماً، رغم الانتقادات، للوصول إلى أهدافهم. وبعد ذلك تأتي القضية الشائكة المتعلقة بالحكم وإعادة إعمار غزة.
وقال يادلين إنّه لن يكون هناك احتلال إسرائيلي طويل الأمد لغزة، ولكن إذا لم يتغير عزم القيادة الحالية في السيطرة على القطاع في المستقبل المنظور، فإن الاحتلال يبدو مؤكداً.