تعتبر البيانات من المقومات الرئيسية للاقتصاد الرقمي الحديث، حيث توفر العديد من الإسهامات في مختلف المجالات. وتشير التقديرات إلى أن حجم البيانات التي يتم نقلها على المستوى العالمي سيتجاوز 19 زيتابايت على مدار العامين القادمين، وهو رقم أكبر من أن ندركه بسهولة، إذ إن 1 زيتابايت يساوي 1 تريليون جيجابايت. وفي ظل التهديدات السيبرانية المتزايدة التي يواجهها العالم، يجب أن نطور أنظمة متماسكة لتقنية المعلومات لضمان أمن البيانات وأن ننشرها على نطاق واسع. ولا شك أن القدرات البشرية غير كافية لإدارة متطلبات الأمان بكفاءة من دون الاعتماد على قدرات الذكاء الاصطناعي الذي بات محورا مهما في التغلب على هذا التحدي الكبير.
تواجه المؤسسات التقليدية الكبيرة ما يصل إلى 200.000 تنبيه للأمان يومياً، مما يؤدي إلى إرباك إعدادات الأمان التي تعتمد عليها تقنية المعلومات. وغالباً ما يتجاهل الموظفون المسؤولون عن الأمان بعض التنبيهات التي يعتبرونها أقل خطورة. وتوصل تقرير عن أمن تقنية المعلومات نشرته شركة «تريند مايكرو» إلى أن حوالي (51%) من قادة تقنية المعلومات يشعرون بأن العدد الكبير من تنبيهات الأمان يؤدي إلى إرباك موظفيهم. كما أشار التقرير إلى أن 55% من قادة تقنية المعلومات أكدوا أنهم غير واثقين من قدرة موظفيهم على تحديد الأولويات والاستجابة لها. وكشف التقرير أن 40% من الموظفين تجاهلوا مثل هذه التنبيهات، مما أدى إلى تزايد نقاط الضعف المحتملة.
يتميز الذكاء الاصطناعي عن البشر بأنه لا يشعر بالتعب ولا يسيء أو يهمل تقييم أي احتمال أو تقدير للتهديدات. وبفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي، يمكن التحقق من جميع التنبيهات، ومن ثم اتخاذ الإجراء المناسب. كما أن القدرات المتسارعة والمتزايدة لميزة تعلّم الآلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي ستمكّن أي نظام من التعلّم من التجارب السابقة والاعتماد على تجاربه لكشف التهديدات المستقبلية والتغلب عليها. ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التنبؤ بالهجمات المستقبلية حتى قبل أسابيع وأشهر من وقوعها في بعض الأحيان.
وتبرز أهمية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في آليات الدفاع السيبراني لدى المؤسسات في ظل الهجمات الخطيرة التي استهدفت المؤسسات والمرافق الحكومية خلال المرحلة السابقة نظراً لتزايد الاعتماد على الانترنت في فترة الجائحة والتي تم تنفيذها بالاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي. ولم يعد مجرمو الإنترنت يراقبون الشبكات بشكل شخصي ومن ثم يقررون كيف يمكنهم اختراقها أو السيطرة عليها، حيث يمكن لهذه الأنظمة فحص الملايين من أجهزة الشبكات أو نقاط البيانات بشكل متزامن من أجل اكتشاف الثغرات الأمنية.
ولذلك، فإن الرد المناسب هو مواجهة مجرمي الإنترنت بالاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي الفائقة حيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي مراقبة الشبكات بشكل أفضل من البشر وتعرف طرق اختراقها وضبط أي سلوكيات غير معتادة ومختلفة عن الإجراءات المعروفة.
وحدد التقرير الذي أعدته هواوي الفرص التي يوفرها نشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. كما أشار التقرير إلى أنه يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لبناء أنظمة دفاعية متطورة مثل تحديد البرامج الضارة والهجمات التي تتعرض لها الشبكات بالإضافة إلى الاعتماد عليها لشنّ هجمات معاكسة أكثر كفاءة.
ولكن هناك المزيد من التحديات التي تلوح في الأفق، فضمان الأمن السيبراني هو تحدٍّ يواجه العالم بأكمله. وبالتالي يجب أن يتم التعاون على المستوى الدولي وفق معايير مشتركة، ولكن مستوى التطور الرقمي يختلف بشكل كبير بين الدول حيث ينقسم العالم إلى دول تمتلك القدرات الرقمية اللازمة ودول لا تمتلكها. وفي ظل نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في المجتمعات التي تعتمد على التقنيات الرقمية، ستزداد هذه الفجوة بين الدول. وبالتالي لن نتمكن من الاستجابة للتهديدات السيبرانية بشكل متزامن، مما يؤدي إلى نشوء ثغرات أمنية يمكن لمجرمي الإنترنت استغلالها. لذا، يجب أن نعمل على ضمان نشر قدرات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، ولا سيما أن توفير الإنترنت وبقية التقنيات الأساسية مثل اتصال الهاتف المحمول لم يعد كافياً.
وتزداد أهمية المنصات المشتركة التي تجمع مختلف الأنظمة الإيكولوجية لتعزيز التعاون على إطلاق مبادرات الدفاع السيبراني من أجل إدارة التهديدات المتزايدة. وتعتبر شبكة مراكز هواوي العالمية للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم خطوة مهمة في هذا الاتجاه. وقد تم افتتاح أكبر مركز من هذه المراكز على المستوى العالمي في دونغوان بالصين في عام 2021 خصيصاً لحل هذه المشاكل وتوفير منصة مفتوحة للأطراف الفاعلة في القطاع التقني تتيح مشاركة الخبرات السيبرانية في مجال الحوكمة الإلكترونية وابتكار الحلول التقنية.
ويسهم التطور المتسارع في الاعتماد على الحوسبة السحابية والذي تشهده المنطقة في تعزيز أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويتم في الوقت الحالي نشر العديد من مراكز البيانات التي تعتمد على الحوسبة السحابية على نطاق واسع، مما يوفر منصة للباحثين والشركات الناشئة تتيح لهم الاعتماد على منصات الحوسبة السحابية مثل مراكز البحث والتطوير بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وذلك ليس لتلبية الاحتياجات المحلية فحسب بل لمواكبة الاستهلاك العالمي وتعزيز التعاون مع الشركات التقنية الكبرى على المستوى الدولي. ويعتمد ما يصل إلى 81% من المؤسسات في العالم على التطبيقات التي تعتمد على الحوسبة السحابية. كما أن العديد من الشركات التقنية الرائدة عالمياً مثل هواوي تعمل بجدّ على نشر قدرات الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط. وقد أعلنت الشركة مؤخراً استثمار 15 مليون دولار في تطوير الأنظمة الإيكولوجية للحوسبة السحابية في المنطقة.
وفيما يلي بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني:
التحقق من الهوية: يساعد الذكاء الاصطناعي المطورين في رفع فاعلية التقنيات الحيوية وزيادة دقتها.
خفض هجمات التصيّد: يستخدم الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة في صنع أدوات تحدد وتتابع هجمات التصيّد وتحدّ من حدوثها بطريقة أكثر فاعلية من الإنسان.
تحليل السلوك: تُصمم خوارزميات تعلّم الآلة بطريقة تمكنها من تعلّم سلوك المستخدم وخلق نمط خاص به يستفاد منه في تحليل الهجمات.
إدارة الثغرات: يستخدم الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة في تقييم الأنظمة بشكل سريع وتحديد نقاط الضعف في الأنظمة والشبكات وكذلك في تصميم أنظمة استباقية لإدارة الثغرات.
أمن الشبكات: يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع عملية إنشاء السياسات الأمنية وتحديد تصميم شبكات المؤسسات، بالإضافة إلى إدارة عدد كبير من الأجهزة وتحديثها وتصحيح الأمان فيها تلقائيا.