إيلاف من دبي: "المرة الأولى التي شهدت فيها تجمعًا عفويًا مؤيدًا لفلسطين كانت قبل 20 عامًا، عندما كنت أحضّر لدرجة الماجستير في لندن". هكذا تبدأ نجمة بزرجمهر، مراسلة "فايننشال تايمز" في طهران، مقالتها في الصحيفة نفسها، مضيفة أنها اندهشت حينها عندما رأت طلابًا أوروبيين يعبرون عن هذا الدعم العاطفي للفلسطينيين وينتقدون إسرائيل، فيما تكتظ التظاهرات في بلدها إيران، الدولة الدينية التي أعطت تحرير فلسطين وإبادة إسرائيل الأولوية والتي تنظم فيها الدولة مسيرات سنوية مؤيدة لفلسطين، بالموالين للنظام.
تقول بزرجمهر: "يعتقد العديد من الإيرانيين أن الفلسطينيين تعرضوا لظلم تاريخي. مع ذلك، مرجح أن يرفضوا ما يقدمه النظام الإيراني الإسلامي من دعم مالي وعسكري للمسلحين المناهضين لإسرائيل في المنطقة، بما في ذلك حماس".
إنحطاط شامل
بحسبها، أصبحت هذه المشاعر المختلطة أكثر تعقيداً منذ هجمات 7 أكتوبر، التي قتلت فيها حماس أكثر من 1200 إسرائيلي. وعلى الرغم من أن الغارات الجوية الانتقامية والهجوم البري الإسرائيلي تسببا في مقتل أكثر من 11 ألف شخص في غزة، "فمن غير المرجح تقريبًا أنه تسير تظاهرة في إيران توازي التظاهرات الذي تسير في لندن وواشنطن وبرلين، أو حتى في دول إسلامية مثل إندونيسيا وتركيا". وتضيف: "فضح عباس عبدي، المحلل الإصلاحي، المتشددين الذين قال إنهم لم يجمعوا سوى حشد مؤيد لفلسطين بحجم قرية صغيرة في طهران. وهذا ليس فشلاً، إنما هو انحطاط شامل".
أدان العديد من الإيرانيين عمليات قتل المدنيين على ضفتي الحرب، إسرائيل وحماس، بدلاً من دعم الفلسطينيين وحدهم. تقول بزرجمهر: "سألني سائق سيارة أجرة الأسبوع الماضي لماذا هاجمت حماس إسرائيل في المقام الأول. ولماذا يقتل الإسرائيليون المدنيين بوحشية في غزة. قال لي إنه لا يهتم بدين كل منهما، بلا قال ’أنا أهتم بالإنسانية‘".
وفق بزرجمهر، ثمة شريحة محافظة في المجتمع الإيراني تؤيد العداء لإسرائيل وسياساتها الإقليمية، لكن في مجتمع إيراني يميل نحو العلمانية بشكل متزايد، "صعب أن نزعم - كما يود النظام ومن يدعمونه - أن المرء ينبغي ألا يدعم الفلسطينيين إلا لأنهم مسلمون. بدلاً من ذلك، هناك إجماع متزايد على أن للجميع الحق في حياة سلمية". ويميل الإيرانيون المناهضون للنظام أيضًا إلى معارضة سياسات الجمهورية الإسلامية منذ احتجاجات حقوق المرأة العام الماضي والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص، وفقًا لمنظمة العفو الدولية. وأحيت صور القتلى الفلسطينيين، خصوصًا الأطفال، الغضب إزاء ما يعتبره كثيرون تورطًا غير ضروري لإيران في السياسة الإقليمية. وفي الوقت نفسه، هددت السلطات بمقاضاة المؤيدين لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا معاداة للسامية
تقول بزرجمهر: "بينما تهدد الجمهورية الإسلامية بانتظام بمحو إسرائيل عن الخريطة، وتدعم الميليشيات التي هاجمت الدولة اليهودية، لا معاداة للسامية في إيران. احترم الناس التنوع الديني لآلاف السنين: فقد حرر إمبراطور بلاد فارس القديمة، كورش الكبير، اليهود من الأسر البابلي،فيما كانت إيران واحدة من الدول القليلة التي قبلت اللاجئين اليهود من أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. وتبقى إيران موطنًا لأكبر عدد من اليهود في الشرق الأوسط خارج إسرائيل". تضيف: "كان والدي الراحل – وهو شيعي متدين – يقول دائمًا إن تاجر الأقمشة المفضل لديه يهودي إيراني يصفه بأنه الأفضل في بازار طهران الكبير".
يقول السياسيون الإيرانيون ومؤيدو النظام إنهم يميزون بين اليهود والصهاينة، مشيرين إلى أنه ينبغي احترام اليهودي كرجال دين بينما يجب إدانة الصهيونية. لكن الإصلاحيين يعتبرون هذه السياسات غير واقعية في وقت قامت فيه الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل أو تأمل في ذلك. ويرى المتشددون مؤامرة في الشعار المناهض للنظام "لا غزة ولا لبنان؛ حياتي من أجل إيران" الذي رفع في الاحتجاجات على مدى العقد الماضي.
تختم بزرجمهر مقالتها بالقول: "بغض النظر عن الرأي العام، ستستمر القيادة الإيرانية في دعم القضية الفلسطينية، وفي دعم محور المقاومة. وقد لا يخرج الشعب الإيراني إلى الشوارع، لكن عدد الذين يعتقدون أن الشرق الأوسط المضطرب يمكن أن يعيش من دون إراقة دماء أو كراهية للإسلام أو معاداة للسامية يتزايد بشكل أسرع من أي وقت مضى".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها نجمة بزرجمهر ونشرتها صحيفة "فايننشال تايمز"