بعد رحلة استمرت ثلاثين دقيقة على طرقات وعرة، ظهرت مشارف مدينة غزة بعدما تمكنت وكالة فرانس برس الأربعاء من الاقتراب برفقة الجيش الإسرائيلي من مركز المعارك والوقوف على عنف المواجهة المتواصلة منذ شهر بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس.
خلال الرحلة داخل غزة التي استمرت لساعات قليلة ونظّمت لحفنة من وسائل الإعلام الأجنبية والتي خضعت صورها ولقطاتها لرقابة الجيش الإسرائيلي، كانت الإجراءات الأمنية على أشدّها.
وقطع الفريق الكيلومترات القليلة الفاصلة بين حدود إسرائيل الجنوبية وشمال مدينة غزة في مصفحة على طريق مليئة بالحفر والمطبّات.
المنظر المحيط بالدبابة يظهر بوضوح على شاشات الآلية العسكرية، من أشجار نخيل متفحمة ومصابيح شوارع ملتوية على امتداد أنقاض الطريق الساحلي سابقا.
جنود على دبابة إسرائيلية وتبدو الأعلام الإسرائيلية مزروعة إلى جانبها
ونصبت أعلام إسرائيلية على الأبنية المدمرة التابعة للمنتجعات الساحلية في غزة. المكان مقفر، وحدهم الجنود يتواجدون وسط الدمار المعمم.
بعد عمليات قصف كثيف متواصلة منذ شهر وعملية برية بوشرت في 27 تشرين الأول/أكتوبر، يؤكّد الجيش الإسرائيلي أنه قسّم قطاع غزة إلى شطرين في هجوم عسكري يزداد حدة وعنفاً. ويتركّز الهجوم على شمال قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس ويستهدف خصوصاً المنشآت العسكرية للحركة الإسلامية الفلسطينية، على ما تؤكد الدولة العبرية.
خائفون
وقال لفرانس برس جندي إسرائيلي يدعى بن ويبلغ من العمر 24 عاماً إنّ الدخول إلى غزة أمر "غريب"، مضيفاً "نحن جميعا خائفون، لكنّنا نواصل التقدّم".
تتوقف المصفحة أمام مبنى فقدَ واجهته على طوابق عدة فيما أبوابه مشرعة ويحرسه عسكريون.
وقال القائد الذي يشرف على الزيارة إنّ هذه المنشأة "مصنع أسلحة لحماس" عُثر فيها على معدّات للغوص البحري فضلاً عن معدات لصنع مسيّرات وقنابل.
على الأرض بين الأنقاض، تمكنت وكالة فرانس برس من رؤية أجنحة مسيّرات وأدوات ذات استخدامات يومية.
أطفال وأسلحة
في الطابق الأخير، اقتيد الصحافيون إلى غرفة زهرية مع كتب ودمى ومرآة محطمة. وأفاد الجيش أنّ أطفالاً كانوا يعيشون فوق مصنع الأسلحة.
ويتّهم الجيش الإسرائيلي بانتظام حماس باستخدام منشآت مدنية، ولا سيّما المستشفيات وسكّان غزة "دروعاً بشرية"، الأمر الذي تنفيه الحركة.
عبر نوافذ المبنى المحطمة يطلّ منظر البحر فيما تمرّ دبابة مخلّفة سحابة غبار.
وتؤكّد إسرائيل أنها تشنّ هجومها للقضاء على حماس التي شنّت داخل الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر هجوما داميا غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية منذ قيامها في 1948.
وقُتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين بغالبيتهم في اليوم الأول للهجوم، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وفي قطاع غزة، قتل 10569 شخصا غالبيتهم من المدنيين بينهم 4324 طفلا في عمليات القصف الإسرائيلية على ما أظهرت آخر حصيلة صادرة عن وزارة الصحة التابعة لحماس.
وألحقت الحرب دماراً هائلاً في قطاع غزة البالغ عدد سكانه 2,4 مليون نسمة.
ويخضع القطاع لحصار إسرائيلي "مطبق" فيما تفيد الأمم المتحدة أنّ 1,5 مليوناً نزحوا عن ديارهم إلى جنوب القطاع.
مشهد يوثّق مخلفات القصف على القطاع
دمار شامل
ويتمثّل الأثر الوحيد للحياة كما كانت قبل السابع من تشرين لأول/أكتوبر بدجاجة تبحث عما تقتاته بين الرمال قرب الآليات العسكرية وحبل غسيل ملون لا يزال متدليا على جدار.
الخطر في المرصاد أينما مكان. وما أن يُسمع إطلاق نار على بُعد عشرات الأمتار من مكان تواجد الجيش يتّخذ الجنود وضعية الدفاع والتأهّب.
ويؤكّد الجندي بن أنّه ورفاقه يشعرون بأنّهم يستمدّون قوة كبيرة في تقدّمهم في القطاع.
ويقول "لدينا انطباع بأنّ إسرائيل كلّها تقف خلفنا. إنّه أمر لا يصدّق أن تكون الشخص الذي يتعامل مع ما حدث بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. نحن نوعاً ما بصدد الانتقام ممّا فعلوه".
تفكيك ألغام
على طريق العودة اضطر الموكب إلى التوقف بسبب عمل خبراء تفكيك الالغام على عبوة ناسفة خلّف تفجيرها أعمدة دخان.
ويضيف الجندي بن "نتعرّف على العدو أكثر قليلاً في كلّ مرة، مع كلّ منزل ندخله".
أما القومندان إيدو الذي قاد هذه الجولة الصحافية فيقول عن هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر "لقد أرادوا قتلنا جميعاً. لقد جاءوا من هنا، من هذه المنازل، من تحت الأرض، من سطحها".
ويضيف "لقد فقدنا بعض الجنود، وتكبّدنا بعض الخسائر، لكنّنا نمضي قدماً. نحن هنا حتى النهاية".