إيلاف من بغداد: يبدو أن الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للشعب العراقي بشنّ حرب ضروس على الفساد بدأ يتحول إلى واقعٍ ملموس عبر الملاحقات المستمرة للعصابات المنتشرة في البلاد. حيث أن الملاحقات الأخيرة التي تتابعها الحكومة حول سرقة القرن ستطال أسماء مسؤولين كبار.
وعد
وكان السوداني قد تعهد في ابريل (نيسان) الماضي في حواره مع قناة الجزيرة بمحاسبة أسماء كبرى من المتورطين في قضية سرقة الامانات الضريبية المعروفة بـ"سرقة القرن". وقال آنذاك: إن التحدي الذي يواجه الدولة العراقية اليوم هو الفساد، والجزء الأكبر من الفساد محمي من الواجهات السياسية أو الرسمية. سرقة الضمانات الضريبية فيها حماية وغطاء رسمي حكومي، والقضاء يتحدث عن وجود شبكة من كبار المسؤولين في الحكومة السابقة أسهموا بالتغطية وتقديم التسهيلات لشبكة من السراقين استولت على هذه الأموال".
ملاحقات رفيعة المستوى
في هذا السياق، يأتي اعلان هيئة النزاهة العراقية عن البدء بملاحقة مسؤولين سابقين كبار في حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في قضية سرقة الامانات الضريبية، كصفعة كبيرة من الحكومة على وجه الفاسدين. وهي خطوة بمثابة انذار يؤكد بأن "لا احد فوق القانون مهما كان نافذًا في أروقة صنع القرار."
والدليل على هذا النهج يظهر في الإشارات الحمراء التي صدرت بحق علي علاوي وزير المالية للحكومة السابقة، ورائد جوحي رئيس جهاز المخابرات السابق، واحمد نجاتي السكرتير الخاص لرئيس الحكومة السابق، فضلاً عن مشرق عباس المستشار السياسي السابق لرئيس الحكومة السابقة. وهي الملاحقة الأبرز في هذه القضية منذ تفجرها أواخر العام الماضي.
وتتعلق قضية الأمانات الضريبية، بسرقة 3 تريليونات و700 مليار دينار عراقي وهو ما يعادل 2.5 مليار دولار من خزينة الدولة(أموال عائدات ضريبية) التي كانت مودعة في مصرف الرافدين الحكومي.
هل تورط الكاظمي؟
وبالنظر إلى مناصب المتهمين الذين تم الإعلان عن أسمائهم في هذه القضية، هناك عدة تساؤلات تُطرَح حول حجم الفساد الذي أحاط بالحكومة السابقة على كافة المستويات. خاصةً أن الحلقة المقربة لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي تبدو ضالعة بهذه القضية، دون ان يكون له علم بهذا الامر _بحسب المعطيات الواردة حتى الساعة.
ويقول وزير المالية السابق علي علاوي_ في بيانه الصادر بـ7 صفحات بتاريخ 19 أكتوبر(تشرين الأول)_ إنه أبلغ الكاظمي بمخاوفه بشأن "التلاعب" في صناديق الضرائب بشهر نوفمبر(تشرين الثاني) من العام 2021.
وعليه، يتوقف احتمال تورط الكاظمي في هذه القضية، على نتائج التحقيق في حال القبض على مدير مكتبه والسكرتير الشخصي ووزير المالية وثبوت علاقته بالجريمة بادلة معتبرة_ بحسب تصريح رئيس هيئة النزاهة العراقية القاضي حيدر حنون الحصرية لـ"إيلاف"، مشيرًا إلى أن النشرات الحمراء اصدرتها محكمة التحقيق وسيتم تعميمها دوليًا لتنفيذها بحق المطلوبين أينما وجدوا.
وأكد حنون ان المتهم نور زهير، قام بتسديد مايقارب 380 مليار دينار. وهو قيد الافراج بكفالة حاليًا وبانتظار إكمال قضيته من قبل محكمة التحقيق وإحالتها إلى محكمة الموضوع لغرض المحاكمة، أما إعادة اعتقاله فتقع على عاتق القضاء.
تسليم المطلوبين
ويعوّل العراق على علاقاته الدبلوماسية مع الدول الصديقة لتسليم المطلوبين للقضاء.
ولقد تعاونت عدة دول بتسليم مجموعة منهم، بينها الاردن والامارات العربية المتحدة وتركيا وعمان، فيما طالبت هيئة النزاهة العراقية الولايات المتحدة وبريطانيا بتسليمها المطلوبين المقيمين لديهما، وهي تنتظر منهما التعاون والتجاوب بمسؤولية، خاصةً أنهما تطالبان الحكومة العراقية بمحاربة الفساد.
هيئة النزاهة
هذا ويؤكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية فرهاد علاء الدين نقلا عن تقرير صادر عن هيئة النزاهة، انه "تمت إحالة الآلاف من موظفي القطاع العام بالفعل إلى المحاكم للمقاضاة"، مؤكدًا أن المحاسبة تطال مسؤولين رفيعي المستوى، وأعضاء حاليين في البرلمان ووزراء سابقين.
نصف سنة من عمر الحكومة
الجدير بالذكر هو أن الأشهر الستة الأولى من عمر الحكومة العراقية الجديدة شهدت إصدار 4518 أمر استقدام، شمل ذلك 32 وزيراً و160 من الدرجات الخاصة من مدير عام وما فوق. كما صدرت 1702 مذكرة توقيف، شملت 93 مسؤولاً رفيع المستوى. وأجرت هيئة النزاهة 495 عملية ضبط أسفرت عن اعتقال 285 موظف من القطاع العام.
وأعلنت هيئة النزاهة أن عملياتها نجحت بالمحافظة على 3.1 تريليون دينار عراقي من المال العام.
يعمل السوداني على تنفيذ وعوده ساعيًا لقطع رأس الفساد. والنتائج أصبحت ملموسة بالتضيبق على من ساهموا في تنفيذ سرقة القرن التي تمت ملاحقتها بجدية وحزم في تأكيد على ان الجميع تحت القانون، وان الملاحقة ستطال كل المتورطين مهما على شأنهم.