تونس: الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي يطرح دستوراً جديداً للاستفتاء الاثنين ويحتكر السلطات في بلاده منذ عام، يمارس الحكم بشكل منفرد أكثر فأكثر ويقود البلاد إلى "جمهورية جديدة" تعتبرها المعارضة "انقلاباً".
يعرض سعيّد مشروع دستور جديد على التونسيين للاستفتاء في خطوة مهمة لما يعتبره "تصحيحاً للمسار". وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 تمّوز/يونيو الفائت باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقاً. وتنتهي بانتخابات نيابية في كانون الأول/ديسمبر.
يمنح المشروع الجديد للدستور الذي عدّل فيه "أخطاء" بعد نشره، صلاحيات واسعة للرئيس وحوّل النظام السياسي السابق البرلماني المعدّل إلى رئاسي وأضعف فيه دور البرلمان في تسيير البلاد.
وسعيّد (64 عاماً) شخصية مثيرة للجدل ومعقدة. هو في الأصل أستاذ جامعي متخصص في القانون الدستوري وتم انتخابه بغالبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية في العام 2019 رافعاً شعار "الشعب يريد".
لكن سرعان ما تحوّل الرئيس من موقع المشارك في اتخاذ القرار في البلاد إلى ممسك بزمام الأمور ما جعل العديد من السياسيين ومن مستشاريه السابقين الذين أصبحوا معارضين له، يغيرون من نظرتهم إليه. وهم يقرن بتحولات طرأت على شخصية الرجل.
غياب أسماء بارزة
غادرت أسماء بارزة فريق مستشاريه وقدّر البعض أن الرئيس أصبح في "عزلة" اتسعت شيئاً فشيئاً خصوصاً إثر إستقالة رئيسة الديوان بقصر قرطاج نادية عكاشة مطلع 2022 بعدما كانت حاضرة في غالبية اجتماعاته الأمنية وبكبار المسؤولين الدبلوماسيين وترافقه في تنقلاته الداخلية وخارج البلاد.
من الشخصيات التي كانت مقربة منه وانفضت من حوله، أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد الذي كلّفه سعيّد إعداد مسودة مشروع دستور. لكن الأخير نأى بنفسه عن النسخة التي يقدمها سعيّد من الدستور. وقال في تصريحات إعلامية إن الدستور الجديد "من شأنه التمهيد لنظام ديكتاتوري".
يصف الفيلسوف وعالم الإنثروبولوجيا يوسف الصديق شخصية الرئيس "بالصلبة، بخطابه الجامد بلغة عربية كلاسيكية غير دقيقة".
ويقول الصديق الذي التقى سعيّد من قبل إنه "طيّب ويصغي جيّداً لمحدثه"، ولكنه "كما كل المترددين، يدور حول القرار الذي ينوي اتخاذه من خلال التلميح له وتقريبه (في خطاباته)، ثم يقرر فجأة ودون أي أمل في تغيير رأيه ومهما كانت عواقب القرار".
ويتابع الصدّيق "من هنا تأتي عزلته، فمن يعيّنهم على عجل او بصفة ارتجالية، يخيبون ظنّه أو حتي يخونونه".
يرد سعيّد بصوته الجهوري القوي بشدة على انتقادات المؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية التي تعتبر أنه لا حدود لسلطته اليوم ولا رقيب عليها في تونس حتى، إنه لم يتردد في اعتبار مسؤول دولي "بشخص غير مرغوب فيه".
وهو يبرر قراراته بأنها استجابة "للشعب يريد" وأن البلاد عانت منذ ثورة 2011 من سنوات جداً صعبة استفحل فيها الفساد وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحيّ، ولم ينطق ولا مرة على لسانه اسم الشخص أو الحزب الذي ينتقده بما فيها حزب النهضة.
يلقى كلامه قبولاً من فئة واسعة من التونسيين الذين يرون فيه "حبل النجاة" من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع البطالة والتضخم منذ ثورة 2011. ونتيجة لذلك يتصدر اسمه نوايا التصويت في عمليات سبر الآراء السابقة.
يرى أن إيجاد حلول تنموية في المناطق المهمشة الداخلية يجب أن تكون نابعة من مقترحات يقدمها أهالي تلك المناطق ويدافع بقوة عن فكرة "المجلس الوطني للجهات والأقاليم" وقد أقرها في مشروع دستوره الجديد وهي عبارة عن مؤسسة تشريعية موازية للبرلمان.
احتكار السلطات
بدأ نجم سعيّد "الرجل النظيف" كما يلقبونه يسطع منذ ثورة 2011 حين كان دائم الظهور في البرامج التلفزيونية والإذاعية للحديث عن الإصلاحات الدستورية بعد الثورة، وخصوصاً خلال وضع دستور 2014.
وساهمت النقمة الشعبية على الطبقة السياسية التي لم تحقق جزءاً كبيراً من وعود الثورة والإصلاحات المنتظرة، في وصوله الى السلطة.
تتهمه المعارضة المشتتة التي تتظاهر في البلاد في غالب الأحيان من دون حظر وتعبر عن مواقفها في وسائل الإعلام الخاصة بدون منع، بجرّ البلاد نحو "الديكتاتورية والحكم الفردي".
لكن وطيلة عام كامل من احتكار السلطات وحكم البلاد بمراسيم، لم تتمكن لا الأحزاب المعارضة ولا المنظمات من التصدي لقراراته، وفي المقابل لقي دعما من قبل الجيش والقوات الأمنية.
لا يعرف الكثير عن محيطه من المستشارين في قصر قرطاج ولا يحضرون في وسائل الإعلام إلاّ نادراً.
لم يتغير هندامه كثيراً بعد توليه الرئاسة، فقد حافظ على هيئة الأستاذ من خلال ربطة العنق والبزة الرسمية. وحين يتحدث لا يقبل المقاطعة.
كان يحرص على زيارة الأحياء الشعبية بما فيها الحي الذي كان يقطنه في ضواحي العاصمة ويشرب أحيانا قهوته التي اعتاد عليها منذ سنوات ويسأل عن أحوال صديقه النادل وعن أفراد عائلته، لكن أصبحت زياراته قليلة منذ عام.
لم يجر الرئيس الذي لا يملك ماضياً سياسياً أو نشاطاً حزبياً سابقاً، بأي مقابلة صحافية منذ عام. وهو لا يملك حسابًا رسميًا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تشكلت حسابات تضم الآلاف من المتابعين له وتدافع عن خطابه.
درس ودرّس في جامعات القانون في تونس لمدة طويلة قبل التقاعد في 2018، وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل، وهو أب لبنتين. وولد وينحدر من عائلة متواضعة.
يحب الموسيقى العربية والخط العربي، ويكتب بعض مراسيمه ورسائله المهمة بالخط المغربي وبالحبر والريشة.