الدوحة: وقّعت الإمارات مع فرنسا الجمعة اتفاقية قياسية لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال خلال زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى دبي في بداية جولة خليجية تشمل قطر والسعودية.
هذا النجاح التجاري سجل في اليوم الأول من جولة سريعة في الخليج يقوم بها الرئيس الفرنسي الذي وصل مساء الى قطر للقاء أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وينتظر وصوله السبت الى جدة في السعودية لعقد لقاء حساس مع ولي العهد محمد بن سلمان. وسيكون ماكرون من أوائل المسؤولين الغربيين الذين يلتقون ولي العهد السعودي منذ الأزمة الدبلوماسية التي أعقبت مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
وإلى جانب الطائرات المقاتلة، وقّعت أبوظبي اتفاقية لشراء 12 طائرة مروحية من طراز "كاراكال". وتبلغ قيمة العقدين بحسب الرئاسة الفرنسية 17 مليار يورو، بينها 14 مليار دولار لاتفاقية رافال وحدها.
تعاون نشط
وقال ماكرون إن هذه الطلبية تشكل "أكبر عقد عسكري بمكون فرنسي، في تاريخنا". واضاف "هذا الالتزام الفرنسي في المنطقة، وهذا التعاون النشط في مكافحة الإرهاب، والمواقف الواضحة التي اتخذناها تعني أننا زدنا من قربنا من دولة الإمارات العربية المتحدة".
وتابع "في الوقت الذي أثاروا (الإماراتيون) فيه بلا شك المزيد من التساؤلات حول شركاء تاريخيين آخرين، اعتقد أن هذا (الاتفاق) يقوّي موقع فرنسا"، مشددا على أنّ أبوظبي ترى في فرنسا "شريكا قويا". وقال إن باريس شريك "يفي" بتعهداته ويمكن "الاعتماد عليه".
ورأت الرئاسة الفرنسية في بيان صحافي أنه "انجاز كبير للشراكة الاستراتيجية بين البلدين" الحليفين، مشددة على أهمية القواعد العسكرية الفرنسية الثلاث في البلد الخليجي الثري.
من جهته، اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة داسو للطيران المصنّعة لطائرات رافال إريك ترابيير انّ الطلبية "نجاح فرنسي يؤكّد العلاقة الاستراتيجية التي توحد بلدينا".
تم التوقيع على الاتفاقية بينما كان ماكرون يجري محادثات مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في موقع إكسبو 2020 دبي، في بداية جولته.
وتهدف هذه الطلبية التي سيتم تسليمها بين 2027 و2031، إلى استبدال 60 طائرة من طراز "ميراج 2000-9" حصلت عليها الإمارات في عام 1998. وتأتي بعد عشر سنوات من مفاوضات انطلقت بدعم من الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
ومنذ ذلك الحين، حقّقت رافال نجاحا دوليا على الرغم من المنافسة من الطائرات الأميركية والأوروبية الأخرى. لديها الآن ستة زبائن أجانب هم إضافة إلى الإمارات قطر (36 طائرة) والهند (36) ومصر (30 طائرة جديدة بالإضافة إلى 24) واليونان وكرواتيا.
تأتي الإمارات في المرتبة الخامسة من بين الزبائن الأكثر أهمية للصناعات الدفاعية الفرنسية في الفترة بين 2011-2020، مع طلبات شراء بلغت قيمتها 4,7 مليارات يورو، بحسب تقرير تم تقديمه للبرلمان حول صادرات الأسلحة الفرنسية.
لكن خلال السنوات الأخيرة، تعرّضت باريس لانتقادات على خلفية استخدام هذه الأسلحة في النزاع في اليمن حيث تقود السعودية تحالفا عسكريا يضم الإمارات لدعم الحكومة في مواجهة المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، وسط اتهامات لجميع أطراف النزاع بارتكاب انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب.
وقال المرشح لانتخابات الرئاسة المؤيد لشؤون البيئة يانيك جادو، والذي كان أحد قادة منظمة غرينبيس، إنّ "فرنسا تخجلنا عندما تسلح الأنظمة الاستبدادية التي تحتقر حقوق الإنسان والتي تُبنى ثروتها على الوقود الأحفوري".
يرافق إيمانويل ماكرون وفد كبير من الوزراء يضم وزراء الخارجية جان إيف لودريان والاقتصاد برونو لومير والجيوش فلورنس بارلي بالإضافة إلى رؤساء شركات وقّعوا بدورهم سلسلة من الاتفاقات مع شركات إماراتية.
وأعلن الصندوق السيادي الإماراتي "مبادلة" عن تعهّدات بقيمة ثمانية مليارات يورو، بينها ستة مع وزارة الاقتصاد، وذلك بهدف زيادة استثماراته في الشركات الفرنسية.
بالإضافة إلى ذلك، تم تمديد الاتفاقية القائمة بين اللوفر أبوظبي والمتحف الأم في باريس لمدة عشر سنوات حتى عام 2047، على أن تسدّد أبوظبي مبلغ 165 مليون يورو قيمة التمديد.
وصل ماكرون إلى دبي بعد يوم من احتفال الدولة الخليجية بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكان اكسبو 2020، الحدث العالمي الذي ينظّم لأول مرة في الشرق الأوسط، أحد مواقع الاحتفالات بذكرى قيام الدولة الثرية.
من المفترض أن يتم خلال الجولة بحث القضايا الاستراتيجية الأساسية في المنطقة: مكافحة الإرهاب والتطرف وأزمة لبنان والانتخابات في ليبيا والنووي الإيراني وغيرها.
وأكد الإليزيه أن ماكرون "يواصل التزامه" منذ بدء ولايته الرئاسية في عام 2017، الذي يهدف إلى "المساهمة في استقرار" المنطقة الممتدة من "المتوسط حتى الخليج".
ويوضح أحد مستشاري الرئيس أن فرنسا تقدم نفسها "كقوة توازن من خلال تعزيز الحوار مع وبين مختلف الفاعلين" في المنطقة و"كشريك أساسي وموثوق".
وكان مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش أكد الثلاثاء أنه في مواجهة الازمات الإقليمية فإن "البلدان مثل فرنسا لديها دور للقيام به"، موضحا أن "مواقفنا متقاربة جدا" حول القضايا الاستراتيجية.
في جدة، يعقد ماكرون "لقاء معمقا "مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب الإليزيه.
وقال ماكرون ردا على سؤال حول اللقاء مع ولي العهد السعودي "من يظن لثانية واحدة أننا نساعد لبنان وأننا نحافظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط إذا أوقفنا التحدث مع السعودية البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان والأكثر أهمية بالنسبة للخليج؟".
وتابع "هذا لا يعني أنني أنسى (...) ولكننا نعمل من أجل بلدنا ومصلحة المنطقة".
أمام ولي العهد السعودي، يعتزم الرئيس الفرنسي إثارة وضع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية فاقمتها الازمة الدبلوماسية التي بدأت في تشرين الاول/اكتوبر مع عدة دول في الخليج في مقدمها السعودية.
ويفترض ان تستفيد هذه الجهود من الاستقالة التي أعلنها الجمعة وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي بعدما أثارت تصريحاته بشأن اليمن خلافا مع دول الخليج أدخل الحكومة في حالة شلل.
وقال قرداحي "فهمت من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي قابلته قبل ثلاثة أيام بناءً على طلبه أن الفرنسيين يرغبون بأن تكون هناك إستقالةٌ لي تسبق زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض و تساعد ربما على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان ومستقبل العلاقات اللبنانية السعودية".
وتعليقا على ذلك قال الرئيس الفرنسي في تصريح في دبي "أبقى حذرا لكن رغبتي على الصعيد الاقتصادي لكن أيضا السياسي هي التمكن من إعادة إشراك جميع دول الخليج في العلاقة مع لبنان".
وأضاف "لم نصل بعد الى نهاية الطريق، لكنني آمل في أن تتيح الساعات المقبلة لنا احراز تقدم".