أثينا: تقوم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بزيارتها الرسمية الأخيرة إلى اليونان لتغلق فصلًا صاخبًا من العلاقات اليونانية-الألمانية كان بدأ خلال أزمة ديون أثينا.
وقالت ميركل بعد لقائها رئيسة اليونان كاتيرينا ساكيلاروبولو إنّ العلاقات مع أثينا "شهدت تقلّبات، لكنّها ترتكز على أسس متينة".
وأضافت عبر مترجم "ما أعطانا قوة خلال هذه الفترة هو أنّه كان لدينا الشعور دائمًا بأنّنا ننتمي إلى بعضنا البعض".
الإستقامة المالية الألمانية لم تلقَ أصداء جيدة لدى اليونانيين الذين جعلوا من ميركل ووزير ماليتها آنذاك فولفغانغ شويبله هدفًا لغضبهم فيما كانت البلاد في أوج أزمتها المالية بعد 2008 والتي دفعت بالإتحاد الأوروبي إلى فرض إجراءات تقشّف مشدّدة.
وقالت رئيسة اليونان وهي قاضية بارزة سابقة أصدرت أحكامًا بشأن بعض الإقتطاعات في الموازنة، لميركل أنّ اليونان طلب منها "دفع ثمن باهظ" وفي بعض الأوقات شعرت البلاد بأنّها "وحيدة" ضمن الدول الأخرى في الإتحاد.
لكن التجارب اللاحقة بما يشمل مساعدة ألمانيا خلال أزمة الهجرة في 2015 ساهمت في الوصول "إلى تفاهم متبادل" كما أضافت الرئيسة اليونانية.
وصفت صحيفة بيلد ميركل بانها "إحدى النساء أشد المكروهات في اليونان"، وكانت ميركل أقرّت في أيلول/سبتمبر بأنّ "أصعب لحظة في ولايتها كانت حين قدّمت مثل هذا القدر من المطالب لليونان".
اعتبارًا من العام 2010 طالبت المستشارة الألمانية رئيس الوزراء اليوناني آنذاك الإشتراكي جورج باباندريو بإجراءات تقشّف لخفض العجز العام للبلاد. ومنذ ذلك الحين تعتبر في اليونان على أنها "المرأة الحديدية" لأوروبا التي تطلب جهودًا غير عقلانية من اليونانيين.
وطلبت ميركل وشويبله من أثينا اقتطاعات مؤلمة في الموازنة ورفع ضرائب كبير مقابل ثلاث خطط إنقاذ دولية بقيمة أكثر من 300 مليار يورو.
تم خفض رواتب التقاعد كما تراجع الحد الأدنى للأجور إلى حوالى 500 يورو وبدأت عمليات الخصخصة واضطرت الخدمات العامة وخاصة المستشفيات للعمل بعدد أقل من الموظفين كما عانت من نقص في الأدوية والمعدّات.
لا تحظى بتأييد اليونانيين
في 2012، في ذروة أزمة الديون استُقبلت المستشارة في اليونان بتظاهرة كبرى مناهضة للتقشّف رُفعت فيها الصلبان المعقوفة ورسومًا كاريكاتورية تصوّر المستشارة بشارب مثل هتلر.
مع انتخاب الزعيم اليساري المتشدّد ألكسيس تسيبراس في كانون الثاني/يناير 2015 بدأ صراع قوة بين البلدين.
عبّر رئيس الوزراء اليوناني عن رغبته في "تمزيق المذكّرات" ودعا "ميركل إلى العودة إلى بلادها". وصلت الأمور إلى حدّ تهديد أثينا باستبعادها من منطقة اليورو إلى أن رضخت اليونان بضغط من الجهات الدائنة إلى اتخاذ إجراءات تقشّف جديدة.
في ختام 16 عامًا من تولّيها المستشارية الألمانية، لا تزال ميركل لا تحظى بتأييد من جانب اليونانيين. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد بيو للأبحاث في 16 دولة أن 30% فقط من اليونانيين يقولون إنهم يثقون بها مقارنة مع ما معدله 77% في الدول الأخرى.
وقال رئيس الوزراء اليوناني الحالي كيرياكوس ميتسوتاكيس في 22 تشرين الأول/اكتوبر في بروسل إنه يعتقد "بأنّها ستكون أول من يعترف وبعد كل ما قامت به، أنها طلبت الكثير وعدّة مرات من اليونانيين وأنّ التقشّف قد تجاوز قدرة المجتمع اليوناني على تحمّله".
واعتبر ألكسندر كريتيكوس عضو مجلس إدارة المعهد الألماني للأبحاث الإقتصادية ردًّا على أسئلة وسائل الإعلام الألمانية أنّ "الزيارة الوداعية لأنغيلا ميركل إلى أثينا هي مؤشّر مهم على أنّ السنوات التي مرّت، الصعبة جدًّا، من الأزمة الإقتصادية في اليونان يمكن الآن أن تعتبر في منتصف الطريق إلى نهايتها".
ودية الحكومة الحالية
مع الحكومة اليونانية المحافظة الحالية، وجدت ميركل أجواء عمل ودّية "تشير أخيرًا إلى عودة الأمور إلى طبيعتها"، كما أضاف هذا الخبير الإقتصادي.
وقال مصدر حكومي يوناني إنّ زيارة ميركل إلى أثينا تمثّل "منعطفًا لليونان التي باتت الآن تمضي إلى الأمام بعد الأزمة".
على جدول أعمال مباحثات ميركل، أزمة الطاقة والوباء وحتى مسألة الهجرة والوضع في ليبيا أو حتى العلاقات مع تركيا بحسب مصدر حكومي يوناني.
تأمل أثينا خصوصًا ألّا يكون المستشار المقبل متساهلًا إلى هذا الحد مع الرئيس التركي رجب طيب إرودغان.
وعمليّات التنقيب عن الغاز التي تقوم بها تركيا في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص، تسمّم علاقاتها مع جيرانها في المتوسط منذ أشهر.