«إيلاف» من الرياض: تستعد الرياض لعقد ثلاث قمم بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في أثناء زيارته المقررة للسعودية في نهاية الشهر الجاري، كأول محطة خارجية له منذ توليه الرئاسة. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن زيارة ترمب للمملكة تشمل «قمة ثنائية وقمة مع قادة دول الخليج العربي وقمة مع قادة دول عربية وإسلامية».
وبعد انعقاد القمة السعودية – الأميركية، سيحضر ترمب اجتماع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمته نصف السنوية، وسيشارك في القمة الإسلامية – الأميركية، التي من المنتظر أن يحضرها رئيس وزراء باكستان نواز شريف، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد من قادة الدول التي تشارك في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب. وكان ترمب أعلن من البيت الأبيض نيته زيارة السعودية في 23 الجاري. ووصف الجبير هذه الزيارة بالتاريخية بكل المقاييس. وبعد السعودية، يتوجه ترمب إلى إسرائيل ثم روما.
سياسات متقاربة
في هذا السياق، قال الكاتب جهاد الخازن لـ «إيلاف»: «لا شك في أن هذه الزيارة ستناقش عدة محاور مهمة في المنطقة، منها الوضع السوري، إذ هناك تشابه بين موقف ترمب والموقف السعودي حول ضرورة رحيل بشار الأسد. المشكلة عند ترمب أن كلامه كثير ونحن نحتاج إلى التنفيذ، فهو سيحاول بناء علاقة جيدة مع السعودية، ولا شك في أن هذا يناسبه ويناسب الإدارة الأميركية، لكن أكرر أنه يحتاج إلى تنفيذ وعوده».
أضاف الخازن: «أظن أن الزيارة ستكون ناجحة، فالسياسات السعودية الأميركية متقاربة في ما يخص منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا في ملفات العراق وسوريا وإيران. وعمومًا، الوضع مع ترمب أفضل مما كان مع باراك أوباما، والسبب أن أوباما لم ينفذ أيًا من وعوده، وأذكر خطابه في جامعة القاهرة، الذي أطلق فيه وعودًا كثيرة لم ينفذ منها أي وعد، فكان بين متردد وجبان، ولا يريد مغامرات خارجية، فسحب قواته من أفغانستان والعراق. ولذا نرجو أن يكون الوضع أفضل مع ترمب مع تحذيري أن هذا الرجل لا يتمتع بمصداقية كبيرة».
جهاد الخازن |
الحماية مكلفة
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبدالخالق عبدالله لـ"إيلاف": "أولًا، لهذه الزيارة دلالات سياسية كثيرة تبين أين تود أميركا وضع ثقلها في المنطقة في المرحلة القادمة، وهذا اعتراف بأن الرياض هي العاصمة التي يعتد بها، والسعودية هي الحليف الذي تود إدارة ترمب أن تعتمد عليه في إدارتها بشأن المنطقة عمومًا، وكون هذه أول زيارة خارجية له، فهذا اعتراف أيضًا بأن الشأن السعودي مهم جدًا في أي تخطيط أميركي يتعلق بالمواجهة مع إيران".
أضاف: "ربما يقول قائل إن أوباما زار المملكة عدة زيارات، لكن اوباما لم يتمكن من تعميق علاقاته الشخصية مع قادة السعودية ومع الملك الراحل عبدالله، فمنذ اللحظة الأولى كانت العلاقات غير ودية، ولم يتمكن من فهم أن المدخل إلى القيادة السعودية هو العلاقات الودية والشخصية الوثيقة، فأتمنى أن يعرف ترمب أن هذه نقطة جوهرية في العلاقات الأميركية – السعودية".
تابع قائلًا: "الملفات المطروحة كثيرة، في مقدمها التصدي لإيران، فهذا الملف يمثل أولوية مشتركة خليجية سعودية من ناحية، وأميركية من ناحية أخرى. فالمد الإيراني تمدد كثيرًا، وهناك خلايا إيرانية تعبث بأمن المنطقة واستقرارها، وأصبحت لإيران أيادٍ خطرة جدًا تهدد مصالح أميركا، وهناك الآن رغبة سعودية خليجية عربية أميركية مشتركة للتصدي لهذا التمدد الإيراني. وأميركا بحاجة إلى حلف إقليمي اليوم أكثر من أي وقت مضى، حلف اقليمي سعودي مصري إماراتي أردني داعم لأي جهد أميركي لتحجيم إيران، فشعار المرحلة "كيف نحجم إيران، ابتداءً بقطع ذيل الثعبان، وانتهاءً برأسه".
وأكد عبدالله أن السعودية كانت في مقدم الدول التي أدت مسؤولياتها في السابق، وفي مقدم الدول التي تعرف أن الحماية الأميركية مكلفة، "فكل دول العالم الصغيرة والكبيرة بحاجة إلى حماية دولة عظمى، ونعترف أن أميركا كشركة التأمين ولا بد من دفع بوليصة التأمين، وإذا كانت أميركا تتعامل معنا كشركة تأمين فأهلًا بها، وهذه الزيارة ستعطي ترمب فرصة تاريخية لن تتكرر للتعرف إلى شؤون المنطقة وشجونها عن كثب، وفرصة نادرة كي نتعرف على هذا المجهول القادم من خارج النخبة الأميركية".
عبد الخالق عبدالله |
يحسب خطواته بالدولار
في حديثه لـ "إيلاف"، خالف الكاتب السعودي أحمد الحناكي الجميع، وقال: "عادة، لا أقيم وزنًا للزيارات التي يقوم بها الزعماء للدول الاخرى، فهي لن تغيّر من قرارات أو نتائج او اتفاقيات مهد لها من قبل عن طريق السفراء ووزراء الخارجية. بالنسبة إلى ترمب، الكتاب واضح من عنوانه، والمقصود أن الرجل قدم نفسه وبقوة تسنده القوة الهائلة التي يملكها الأميركيون، وليس في صالحنا ولا قدرتنا أن نجابه أميركا، أو نتحداها، لكن السياسة هي فن الممكن ومحاولة الخروج بأقل الخسائر. على أن سياسة المحاور مزعجة حقًا ومرفوضة بشدة، ولا أظن أننا -نحن العرب- مستفيدون منها، خصوصًا أن هناك شريكًا غازياً ومحتلاً، وهو الكيان الصهيوني. وبرأيي، التركيز على الإجماع العربي والوحدة العربية أفضل كثيرًا من سياسة تورطنا في حروب لا صلة لنا بها، ولا فائدة".
أضاف: "بصراحة، ما يحدث هذه الايام ابتزاز من نوع آخر، جباية سياسية أو دفع مقابل حماية، وإن لم تدفع سأطلق عليك أعداءك أو سأخترع لك اعداء، وهذا ما يمارسه الاميركيون منذ نشأة أميركا، فصدام حسين الذي غزا الكويت وحارب ايران لم يكن ليفعلها من دون محرك من دولة عظمى أضاءت له الأخضر، وبغض النظر عمن بدأ الحرب، فإن حرب 8 سنوت في هذا العصر لم تكن لتحصل لولا رعونة الأطراف كلها، فلا يريد الحروب إلا اليائس أو البائس أو من يدافع عن أراضيه من غزو قائم".
سأل الحناكي: "ما الفارق بين ترمب ومن كان قبله؟ الرجل صريح وواضح، يفكر بوطنه فقط والباقي إلى الطوفان، وهو ما يشمل حلفاءه بالحلف الاطلسي، ويحسب خطواته بالدولار لكنه يريد من الآخرين الدفع. ترمب يقنع كوريا الجنوبية أنها بخطر بوجود جارها الشمالي، وانه سينقذهم من هذا الخطر مطالبًا بدفع مليار دولار لتمويل منظومة الدروع الصاروخية، التي ستتصدى للصواريخ الشمالية في حال إطلاقها. لكنّ الكوريين الجنوبيين رفضوا ذلك، وذكروا أن المعاهدة بينهم وبين الأميركيين هي أن توفر كوريا الجنوبية الأرض، بينما تمول أميركا السلاح ولا يوجد ما يغيّر هذه الاتفاقية" .
أحمد الحناكي |
ماذا يريد؟
في الوقت نفسه، لكن بشكل أكثر حذرًا، يلمح ترمب إلى الخطر الروسي على أوروبا، ويريد من الأوروبيين أن يدفعوا مقابل أن يحميهم، بحسب الحناكي. لكنّ الأوروبيين أو دول شرق آسيا لديهم برلمانات منتخبة، ومسألة أن يخضعوا للابتزاز دونها خرق العتاد. نعم، هم يعرفون ما يمكن ان يصنعه الأميركيون إن لم تتحقق مطالبهم. لكن المسألة لا تتعلق بمليار دولار وكفى، فالرأسمالي لا يشبع، "وكما نصح ترمب السعوديين بأن يدفعوا المال مقابل حمايته لهم من الايرانيين، وهنا نحن امام عدة نقاط، فهو قال إن أميركا هي من موّلت الإيرانيين حتى اصبحوا قوة كبيرة تصنع السلاح نووي، وبالتالي من يضمن لنا أنها لن تموّل غير الإيرانيين؟ ثانيًا، ترمب لم يحدد المبالغ التي سيدفعها السعوديون، ويبدو انه لن يكتفي بدفعة محددة، بل يريد مشاركة؛ ثالثًا، يعبر ترمب عن ألمه لما تفعله أميركا من دون مقابل، ونسي قاصدًا أو جاهلًا أن السعودية كانت طوال العقود الاخيرة تنسق سياستها البترولية مع الأميركيين، فهم أكثر المستفيدين من هذه السياسة، وبتصوري أن الاموال التي يجنونها من هذه السياسة لا طائل لها، فضلًا عن أن السعودية دفعت الكثير في حروب الخليج وقبلها في افغانستان، يعني أن الرجل يريدنا أن ندفع ضريبة لا التكاليف كما كوريا الجنوبية مثلًا».
وختم قائلًا: «مصلحتنا ومصلحة إيران والعراق ومصر واليمن ودول الخليج والبحر الأحمر أن نجتمع على طاولة واحدة، فنضع النقاط على الحروف، وننهي الصراعات، فأمامنا غول يريد أن يلتهم كل شيء. ومن الناحية الشخصية، لا أرى ما يدعو إلى هذه البهجة بزيارة ترمب بعد تصريحاته الاستفزازية، فضلًا عن ان هناك ملفات لا نفهم سياسة أميركا تجاهها، كسوريا والعراق واليمن وايران، الواحد الثابت عند ترمب ومن قبله هو الود الحميم للكيان المحتل في فلسطين، وهذا مصدر قلق».
تلعب بالنار
في السياق نفسه، قال الكاتب محمد العصيمي لـ "إيلاف"، إن الجبير وصف زيارة ترمب للمملكة بالتاريخية بكل المقاييس، «ومقاييس تاريخيتها، من وجهة نظري، تأتي من كونها أول زيارة خارجية لترمب بعد دخوله البيت الأبيض، وأنه مع قيادة المملكة يتطلعون إلى بناء جسور ثقة بين الولايات المتحدة، وربما المعسكر الغربي كله، وبين العالمين العربي والإسلامي؛ بدليل أن المملكة وجهت دعوات لرؤساء عرب ومسلمين لحضور قمة عربية إسلامية- أميركية من المقرر أن تنعقد في أثناء الزيارة. المقياس الآخر هو عودة الحيوية إلى العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين بعد أن تضررت في أثناء عهد أوباما وبالذات في سنوات حكمه الأخيرة، التي بدأ فيها ما وصفه البعض بتحول أميركي تدريجي نحو إيران، والتخلي عن حلفائه التقليديين في المنطقة، ومن أهمهم السعودية».
أضاف: «المقياس الثالث أنها جاءت بعد جهود سعودية مكثفة، آخرها زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وما حظيت به هذه الزيارة من من اهتمام بالغ على كل مستويات صناعة القرار في أميركا، الأمر الذي اعتبر بمثابة انتصار ونجاح للدبلوماسية السعودية التي تؤكد في كل حين، للأميركيين وغيرهم، بأنها الدولة المؤهلة في الإقليم لتكريس الأمن والاستقرار وقطع الطريق على إيران، التي أقر ترمب نفسه بأنها أكبر داعم للإرهاب، وأنها تلعب بالنار في المنطقة، في اليمن وفي غير اليمن. وهذا يعني أن إيران لا يمكن أن تكون حليفًا بديلًا من السعودية في المنطقة التي تركز الآن على تعزيز استقرارها وعلى تنميتها الداخلية ومحاربة الإرهاب، الذي لم يعد خافيًا أن إيران من محاضنه الخطرة في منطقتنا».
محمد العصيمي |
رغبة البلدين
على الصعيد الاقتصادي والمصالح التجارية بين البلدين، تكتسب هذه الزيارة بعدًا تاريخيًا واستراتيجيًا جديدًا. فمن جانب علاقات المملكة التجارية مع الولايات المتحدة بدأت قبل 86 سنة، وتنامت بشكل كبير، وسجلت معدلات غير مسبوقة في العقود الماضية. على سبيل المثال، فإن حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة ما بين عامي 1991 و2015، بلغ 3.222 تريليون ريال. وفي عام 2015 فقط، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يزيد على 170 مليار ريال.
اضاف العصيمي: «بحسب تصريح للمستشار التجاري في السفارة الأميركية، دوغلاس والس، في فبراير الماضي، تجاوز عدد الشركات الأميركية المستثمرة في المملكة 550 شركة، وهذا يعني أن للولايات المتحدة مصالح تجارية ضخمة مع المملكة مرشحة للتنامي بشكل كبير بعد زيارة ترمب، ولقاء رجال الأعمال الأميركيين بنظرائهم السعوديين، كما هو متوقع، أثناء الزيارة. وإذا أضفنا إلى هذه الملفات السياسية والاقتصادية رغبة البلدين المؤكدة في محاربة الإرهاب وتوثيق وتنمية تعاونهما السابق والمعروف في هذا المجال، فإن هذه الزيارة تعد بالفعل زيارة تاريخية. وأعتقد أنها ستمثل منعطفًا حقيقيًا وصلبًا في تاريخ علاقات الدولتين، وستعيد كثيرًا من الأمور في المنطقة إلى وضعها الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، وقبل إدارة أوباما».