الرباط: بدا لافتا في الانتخابات البرلمانية ليوم 7 اكتوبر الجاري، التي بوأت حزب العدالة والتنمية صدارة النتائج بحصوله على 125 مقعدا، حالة التهافت التي عرفتها الساحة السياسية بالبلاد على رموز التيار السلفي وأنصاره لتعزيز حضورهم في المشهد الحزبي برمته.
لكن عكس ما كان متوقعا، لم تحقق الأحزاب التي راهنت على التيار السلفي ورموزه أي شيء يذكر، من الانفتاح على هذه الفئة، التي ظن الكثير من المتتبعين أن لها امتدادا واسعا في الأوساط المغربية وستكون خزانا انتخابيا يستفيد منه المنفتحون عليه.
رهان فاشل
ففي مدينة فاس، رشح حزب الاستقلال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ"أبي حفص" وصيفا لوكيل لائحة فاس الشمالية، التي قادها أمين عام الحزب، حميد شباط، غير أنه لم يفلح في حجز مقعد في البرلمان، بل أكثر من ذلك، فان وكيل اللائحة شباط، حصل بالكاد على مقعده باحتساب أكبر بقية، فيما اكتسح حزب العدالة والتنمية الدائرة بحصوله على مقعدين من أصل أربعة مقاعد.
أما مدينة مراكش، فشكلت محطة للاستقطاب بين حزب العدالة والتنمية ، من جهة، وحزب الأصالة والمعاصرة من جهة ثانية، حيث منعت وزارة الداخلية قبول ترشيح الشيخ حماد القباج، وكيلا للائحة حزب رئيس الحكومة بدائرة جيليز، بسبب ماعدته مواقف متشددة له تتناقض مع الخيار الديمقراطي للمغرب، وهو ما اعتبره حزب العدالة والتنمية تضييقا وقرارا مرفوضا، وبعد هذا الحادث، نشرت العديد من المنابر الإعلامية تسجيلا صوتيا للشيخ السلفي، محمد المغراوي، رئيس جمعية القرآن للدعوة والسنة، يحث فيه أنصاره على التصويت لصالح حزب الأصالة والمعاصرة، لكن هذه الدعوة، كانت بمثابة صفقة سياسية بين الطرفين من أجل فتح دور القرآن التي صدر قرار قضائي بإغلاقها مقابل تصويت السلفيين للأصالة والمعاصرة، الذي توسط لحل الملف.
ومع هذا القرار المفاجئ للسلطات بفتح دور القرآن، ودعوة الشيخ المغراوي للتصويت على "الأصالة والمعاصرة" بالمدينة الحمراء، لم يستطع هذا الاخير أن يحقق نتائج كبيرة في الاستحقاق الانتخابي، رغم دعم السلفيين له بالمدينة، واستمر حزب العدالة والتنمية في هيمنته على النتائج بحصده لـ5 مقاعد من أصل 9، فيما حل الأصالة والمعاصرة ثانيا بـ3 مقاعد.
تضخيم إعلامي
ويرى منتصر حمادة، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن دخول بعض الوجوه السلفية إلى الانتخابات الأخيرة يمثل حالات قليلة ومتواضعة، مقارنة مع السائد في الساحة السلفية في المغرب، مسجلا أن المرحلة التي سبقت الانتخابات عرفت تضخيما إعلاميا لها "كما لو أنها تمثل تياراً وازناً بالمشهد السلفي بشكل عام، والمشهد الإسلامي الحركي".
ورد حمادة سبب الهالة الإعلامية التي سلطت على السلفيين ومشاركتهم في الانتخابات داخليا وخارجيا إلى "انتماء بعض هذه الوجوه إلى الظاهرة السلفية الجهادية فيما مضى، في حين لم يتجاوز الأمر حالات خاصة جدا"، معتبرا أن الأمر "يؤكد مرة أخرى، جهل المتتبعين بالظاهرة ومفاصلها والتحولات التي تمر منها".
أسباب الفشل
وعن فشل السلفيين الذين ترشحوا للانتخابات في الظفر بمقعد برلماني، اعتبر حمادة في تصريح ل" ايلاف المغرب" ، أن الأمر كان متوقعا، لاعتبارات متعددة، تمثل أولها حسب الباحث الأكاديمي في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، في أن السلفيين الذين صوتوا في الاستحقاق الانتخابي، صوت "أغلبهم لصالح حزب العدالة والتنمية، لأنه في الجهاز المفاهيمي للعقل الإسلامي الحركي، التصويت عند الفاعل الإخواني أو السلفي يجب أن يطال حزباً إسلامياً، أي حزب "العدالة والتنمية".
وأضاف الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط، أن التصويت عند هذه الفئة لم يكن لحزب غير "العدالة والتنمية" سواء كان "حزب الاستقلال أو الأصالة والمعاصرة"، موضحا أن حزب العدالة والتنمية هو الذي "يُمثل الإسلام أو الأقرب إلى الدفاع عن الإسلام لدى ميكانزيمات (آليات)هذا الجهاز المفاهيمي".
واشار حمادة الى ان "حملة النقد وتشويه السمعة التي تعرض لها هؤلاء في الحملة الانتخابية في مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف ما أصبح يُصطلح عليه بالجيوش الإلكترونية"، كانت عنصرا مساهما في فشل السلفيين الذين خاضوا غمار الانتخابات.
وعزا حمادة جزءا. من الفشل الذي حققه التيار السلفي في أول انخراط مباشر له في الانتخابات إلى معطى "ذاتي صرف، ويكمن في النتائج المتواضعة التي حققتها الأحزاب السياسية التي ترشح باسمها السلفيون"، مؤكدا أنه من الطبيعي، أن تنعكس "حالة التراجع على نتائج ترشح السلفيين، والإحالة هنا بالتحديد على أرقام حزب الاستقلال".