: آخر تحديث

الحب.. جوهر الحياة

8
10
6

الحب ليس مجرد كلمة تُقال في لحظة عابرة، ولا وعد يُخط على ورق ليتلاشى مع الزمن، بل هو جوهر الوجود الإنساني، تلك القوة الخفية التي تحرك القلوب والعقول، وتمنح للحياة معناها الأعمق. الحب ليس شيئاً يُفرض أو يُصطنع، بل هو لقاء الأرواح في فضاء لا تحدّه القوانين، انسجام العقول قبل العواطف، واكتشاف ذاتك في عيون من تحب دون حاجة إلى التصنع أو المجاملة. إنه ذلك الشعور الذي يتخطى حاجز الكمال، فيجعل الإنسان يرى محبوبه كما هو، بجماله وعيوبه، فلا يسعى لتغييره بل يحتضنه بقبولٍ كامل.

منذ الأزل، كان الحب وقود الإبداع، وملهم الفنون والأدب، خُطّت لأجله أعظم القصائد، وانسابت من أجله أنغام الموسيقى، واشتعَلت بسببه حروب وملاحم. ومع ذلك، يظل مفهوم الحب عصياً على التعريف، فقد اختلف الفلاسفة والعشاق في تفسيره، فمنهم من رآه ارتباطاً روحياً خالصاً، ومنهم من جعله مجرد حاجة فطرية، لكنه في كل حالاته يظل سراً من أسرار الحياة، مزيجاً معقداً من المشاعر والتجارب لا يُمكن اختزاله في بُعد واحد.

ليس الحب مجرد انجذاب عابر أو لحظات مسروقة من الزمن، بل هو بناء متين يحتاج إلى أسس راسخة ليصمد أمام اختبارات الأيام. الحب الصادق لا يقف عند حدود العاطفة، بل يتجاوزها إلى مستوى أعمق، حيث يصبح التواصل الروحي والعاطفي هو المحور. فالكلمات وحدها لا تصنع الحب، بل الأفعال هي التي تبرهن عليه، والراحة الفكرية بين الشريكين تضفي عليه استمرارية وثباتاً، إذ لا يكفي أن تشتعل المشاعر، بل لا بد أن تنسجم العقول وتتلاقى الرؤى. الحب الحقيقي ليس مجرد بحث عن الكمال، بل هو احتضان للآخر بضعفه وقوته، برغباته وأحلامه، وهو إدراك أن الحبيب ليس صورة مثالية، بل إنسان يحتاج إلى الدعم، لا إلى محاولات التغيير القسري.

إقرأ أيضاً: حماس... رهانات خاسرة!

البعض يعيش لأجل الحب، يراه غاية في ذاته، بينما يعتبره آخرون مجرد وسيلة لتحقيق السعادة أو حتى الوصول إلى أهداف أخرى. وبين هذه الرؤى المتباينة، يبقى الحب تجربة شخصية تختلف من شخص إلى آخر، فمنهم من يحيا به، ومنهم من يراه سراباً لا يدوم. هناك من يحب لأنه يريد الحب فقط، وهناك من يحب بحثاً عن شيء آخر: مكانة اجتماعية، أمان نفسي، أو هروباً من الوحدة. ليس كل حب يكون طاهراً ونقياً، لكنه يظل في النهاية انعكاساً لما يحمله الإنسان في داخله، ومقدار الصدق الذي يبثه في مشاعره.

الصدق في الحب لا يعني قول الكلمات الجميلة فحسب، بل يعني الالتزام بما يتجاوز الألفاظ إلى الأفعال. الحب الصادق لا يُباع ولا يُشترى، ولا يكون مجرد استعراض اجتماعي أو لحظات عابرة من اللهفة، بل هو مسؤولية مستمرة تتجلى في الاحترام المتبادل، والرغبة الحقيقية في العطاء دون انتظار مقابل. أن تحب شخصاً يعني أن تكون حاضراً معه في لحظاته الصعبة قبل السعيدة، أن تمنحه الأمان بدلاً من أن تزيد من مخاوفه، أن تكون له سنداً لا عبئاً، وأن ترى وجوده إضافة لحياتك، لا مجرد تفصيل عابر يمكن الاستغناء عنه.

إقرأ أيضاً: برسم وزير الإعلام السوري

حين يحلّ عيد الحب، لا ينبغي أن يكون مجرد مناسبة للاحتفال، بل فرصة للتأمل في جوهر الحب ذاته. الحب ليس مجرد هدية تُقدَّم ليوم واحد، بل هو حياة تُعاش بكل تفاصيلها، لحظات صغيرة من الاهتمام، وتفاصيل دقيقة تعبر عن عمق المشاعر دون الحاجة إلى مظاهر مصطنعة. الحب الحقيقي لا يُولد في يوم معين، ولا يحتاج إلى مناسبة ليُعلن عن نفسه، لأنه يعيش في كل لحظة، يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية، ويظل خالداً ما دام صادقاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف