"إحذروا الخبل النشيط" - أرسطو
"خبل ومتعافي" و"خبل ونشيط"، هما صيغتان لمثل شعبي واحد دارج عند أهل شبه الجزيرة العربية.
الخبل في المفهوم الشعبي هو ذلك الشخص المندفع الذي تتملكه عدم الصحوة وعدم التأني في اتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة في مجمل الأمور، وهو لا يفكر ولا يهتم بتبعات تلك القرارات التي يتخذها.
والخبل في تعريف بعض المعاجم العربية هو قليل العقل، ضعيف التصرف، الطائش، غير المُتبصر.
أما المتعافي أو النشيط فهو ذلك الشخص القوي جسمانياً، الذي تقوده عضلاته لا عقله، المندفع معنوياً، الذي يتحكم به عنفوان الجبروت.
أي أنَّ المثل الشعبي "خبل ومتعافي" يُطلق على ذلك الشخص الذي يتعامل مع الأمور بعجلة وطيش وجبروت، دون تأني ودون حكمة ودون النظر في عواقب الأمور.
سمعت قصة قديمة منذ عشرات السنين مباشرة من أحد الرجال الذين كانوا شهوداً عليها، ذكر فيها أنه كان ذات ليلة يجلس مع بعض أصدقائه في إحدى ديوانيات البيوت الصغيرة البسيطة، يسمرون ويلعبون الورق، إلى أن أطلّ الصباح عليهم. وفي تلك الجلسة غضب بشدة أحد الأشخاص السهرانين معهم، بسبب خسارته لإحدى جولات اللعب الحماسية الحاسمة، فقام غضباناً من مجلسهم وهو يتوعدهم بالانتقام.
عندما غادر ذلك الشخص الديوانية وركب سيارته، شاهد أمامه أحد العمال الأعاجم يجلس على الرصيف فارشاً أوراقاً من الصحف، واضعاً عليها بعض الأكل الذي كان يتناوله. لفت نظره أنَّ ذلك العامل كان ضخم البنية، وكانت بجانبه مطرقة ذات رأس كبير موصول بقضيب فولاذي طويل.
نزل ذلك الشخص من سيارته واتجه نحو العامل، فعرف منه أنه يعمل في تحطيم الأعمدة الأسمنتية وهدم جدران البيوت وتكسير الإسفلت، فتفاوض معه بأن يقوم بتكسير جزء محدد من الجدار الخلفي للمنزل الذي كان يسهر فيه، حيث أوهمه بأن المنزل تعود ملكيته لأسرته، وأنه يريد أن يجعل باباً في تلك الناحية المطلة على الشارع مباشرة.
إقرأ أيضاً: ذاكرة العطر
عندما التقى ذلك الشخص والعامل خلف المنزل، وعرف العامل أين سيكون بالتحديد موضع الباب، طلب مبلغ 5 دنانير فقط أتعاباً له، فوافق ذلك الشخص وأعطاه 5 دنانير دون تردد، ثم انصرف مسرعاً. فما هي إلا لحظات حتى وقف ذلك العامل الجبار أمام منتصف الجدار الخلفي للمنزل، وهو ممسك بمطرقته العظيمة، وبدأ يرفعها عالياً بحماسة وعافية وضمير، ثم ينزل بها على قلب الجدار بضربات متتالية، وكأنها ضربات مدفع F3 الفرنسي الملقب بـ"أبو ردين"، الذي استخدمه الجيش الكويتي في الحروب التي شارك فيها ضد الصهاينة الإسرائيليين، حيث استطاع أبطال الجيش الكويتي آنذاك إسكات المدفعية الإسرائيلية في جبهة القتال، حتى غنى المُغني السوري: "يا بو رديّن يا بو ردانه".
استمر ذلك العامل الخبل النشيط في ضرب الجدار إلى أن أحدث فيه فجوة ظهر منها حوش ذلك المنزل! تسارع أهل المنزل وأمسكوا بالعامل. وعندما سألوه عن سبب ما فعله، أخبرهم بكامل الحكاية، ووصف لهم شكل ذلك الشخص الذي خدعه ونوع سيارته، فعرفوا أنه صاحبهم الذي كان يسهر معهم وغادرهم غضباناً.
إقرأ أيضاً: وقف الحرب الأوكرانية الروسية
جاء في كتاب "إحياء علوم الدين" أنَّ الخليل بن أحمد قال: "الرجال أربعة: رجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذاك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذاك جاهل فعلموه، ورجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عاقل فاتبعوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك الأحمق فاجتنبوه".
يكون الخبل المتعافي في سعة من أمره ما دام أن خباله ونتائج خباله لم تتعده وتصل إلى الآخرين، لكن المشكلة العويصة أن تصل حماقات ذلك الخبل النشيط إلى مختلف الناس. وإن كان في يد الخبل المتعافي شيئاً من السلطة، فمن الأكيد أنه سوف يبطش بالناس ويظلمهم ويسلبهم العديد من حقوقهم. هذا لأن الخبل النشيط لا يكيل الأمور بميزان الحق والعدل والرأفة والحكمة، بل إن مكيال الخبل المتعافي الوحيد الذي يزن فيه الأمور هو مكيال قوة السلطة المطلقة، التي لا يرى في غيرها جدوى ليصل إلى أهدافه، حتى ولو كانت أهدافه سوف تصنع منه شخصاً مكروهاً بشدة، ترفع الناس أيديها لله تعالى، تدعو عليه في كل الأوقات التي يظنون فيها أنها أوقات استجابة.
إقرأ أيضاً: كيف ينكسر الظالمون؟
التاريخ يزخر بتلك الشخصيات من الخبول المتعافية، مثل ستالين وهتلر وصدام وموسوليني وأنتيبفلتش ويحيى خان وغيرهم كثير.
كل خبل في يوم سوف ينتهي خباله، وكل جسد سوف ينقضي عنفوانه، وكل سلطة بطش سوف تتوقف سطوتها، لأن الله لا يرضى بالظلم والفساد.