: آخر تحديث

خطأ الاعتماد على مؤشر اتش في الترقيات العلمية في الجامعات العراقية

5
5
5

يستخدم مؤشر اتش (H-index) على نطاق واسع كأحد المقاييس لتقييم أداء الباحثين وإنتاجيتهم وتأثيرهم في مجالهم، ويعتبر مؤشراً سهلاً ومباشراً نسبياً. فهو يعكس العلاقة بين عدد الأبحاث المنشورة وعدد الاقتباسات التي حصلت عليها. ومع ذلك، فإنَّ الاعتماد المطلق عليه كمعيار أساسي للترقيات العلمية في الجامعات العراقية، في ظل الظروف الحالية، يعتبر خطأ منهجياً وله آثار سلبية عديدة. ومن هذه الآثار السلبية أنه لا يجوز مقارنة باحثين في مجالات بحثية مختلفة اعتماداً على مؤشر اتش وحده، نظراً لاختلاف طبيعة هذه المجالات من حيث معدل النشر وعدد الاقتباسات. فبعض المجالات تشهد نشراً غزيراً واقتباسات متزايدة، بينما يشهد البعض الآخر نشراً أقل واقتباسات محدودةكما أنَّ مؤشر اتش لا يأخذ في الاعتبار جودة الاقتباسات، حيث يحتسب الاقتباس السلبي كأي اقتباس آخر، مما قد يعطي صورة غير دقيقة عن تأثير البحث. بالإضافة إلى ذلك، هناك إمكانية للتلاعب بالمؤشر من خلال الاقتباس الذاتي أو الاقتباس المتبادل بين مجموعة من الباحثين، مما يقلل من مصداقيته كمعيار تقييم موضوعي. لذا، عند تقييم الباحثين، يجب مراعاة طبيعة المجال البحثي وعدم إجراء مقارنات مجحفة بين مجالات مختلفة.

المشكلة الاساسية: غياب البيئة الداعمة للبحث العلمي الاصيل
يكمن جوهر المشكلة في أن استخدام مؤشر اتش كمعيار للترقية يتطلب وجود بيئة بحثية صحية وسليمة، وهو ما تفتقر إليه الجامعات العراقية بشكل عام. من أبرز جوانب هذا الخلل:

نقص التمويل المخصص للبحث العلمي: يعتبر التمويل حجر الزاوية في إجراء البحوث العلمية الاصيلة. فبدون ميزانية كافية، يصعب على الباحثين إجراء تجارب مختبرية، وشراء مواد، وحضور مؤتمرات، ونشر أبحاثهم في مجلات مرموقة (التي تتطلب رسوم نشر). هذا النقص يدفع البعض إلى البحث عن بدائل غير أخلاقية.

انتشار "مصانع الأوراق" وشراء الأبحاث: في ظل غياب التمويل وضغوط النشر للترقية، يلجأ بعض التدريسيين إلى شراء أبحاث جاهزة من "مصانع الأوراق" أو دفع مبالغ مالية لإدراج أسمائهم كمؤلفين في أبحاث. هذه الممارسات تشوه العملية البحثية وتفرغ مؤشر اتش من معناه الحقيقي، حيث يصبح مجرد رقم لا يعكس أي جهد أو إسهام علمي حقيقي.

شراء الاقتباسات: بالاضافة إلى شراء الأبحاث، يلجأ البعض إلى شراء الاقتباسات لأبحاثهم المنشورة، ما يضخم مؤشر اتش بشكل مصطنع. هذه الممارسة تعد نوعاً من الاحتيال الأكاديمي وتقلل من مصداقية التقييم العلمي.

التركيز الكمي على حساب الجودة: بسبب التركيز على مؤشر اتش، قد يركز الباحثون على نشر أكبر عدد ممكن من الأبحاث بغض النظر عن جودتها أو أهميتها العلمية. هذا يؤدي إلى تدهور جودة البحث العلمي بشكل عام.

لماذا يعتبر هذا خطا في السياق العراقي؟
في البيئات البحثية المتطورة، يعتبر مؤشر اتش مؤشراً من بين مؤشرات أخرى تستخدم لتقييم الباحث. ولكن في السياق العراقي، حيث توجد هذه المشاكل الهيكلية، يصبح الاعتماد المطلق عليه مضللاً وغير عادل. فهو يكافئ من يمتلك القدرة المالية على شراء الأبحاث والاقتباسات، بدلاً من مكافأة الباحثين المخلصين الذين يجرون بحوثاً أصيلة في ظل ظروف صعبة.

الحلول المقترحة:
لتجاوز هذه المشكلة، لا بد من اتخاذ إجراءات شاملة، منها:

1. تطوير معايير تقييم بديلة: يجب تطوير معايير تقييم شاملة تركز على جودة البحث وأصالته وتأثيره الحقيقي، بدلاً من التركيز الكمي على عدد المنشورات والاقتباسات. يجب أن تشمل هذه المعايير:

- تقييم الأقران (Peer Review) من قبل باحثين متخصصين.

- أهمية البحث واثره في حل مشاكل المجتمع.

- المساهمة في تطوير المعرفة في مجال التخصص.

- المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية.

2-  تتم المقارنة بين باحثين يعملون في نفس المجال أو مجالات متقاربة، وليس بين مجالات لها مؤشر اتش عالي كالعلوم الطبية والصحية وعلوم الكيمياء والفيزياء والاحياء والهندسة وعلوم الحاسوب التطبيقية، ومجالات لها مؤشر اتش منخفض كالعلوم الاجتماعية والانسانيات والفنون واللغات وعلوم الأرض وبعض فروع العلوم الزراعية وعلوم الرياضيات والحاسوب النظرية.

3.  زيادة التمويل المخصص للبحث العلمي: يجب على الجامعات والحكومة زيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي، وتوفير منح بحثية للباحثين.

4.  تشديد الرقابة على المجلات العلمية: يجب وضع معايير صارمة لاعتماد المجلات العلمية، ومكافحة المجلات المفترسة.

5.  نشر ثقافة النزاهة الأكاديمية: يجب على الجامعات تعزيز ثقافة النزاهة الاكاديمية ومكافحة الممارسات غير الأخلاقية في البحث العلمي.

باختصار، مؤشر اتش أداة مفيدة في ظروف معينة، ولكن استخدامه كمعيار للترقية في الجامعات العراقية يعتبر خطأ فادحاً في ظل الظروف الحالية. يجب معالجة المشاكل الهيكلية في البيئة البحثية وتطوير معايير تقييم شاملة لضمان عدالة وشفافية الترقيات العلمية وتشجيع البحث العلمي الأصيل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف