: آخر تحديث
بين فرحة الكرد وأصدقائهم:

مسعود بارزاني وتدشين مرحلة جديدة للكرد في سوريا

2
2
2

لقد مرّ قرن من الظلم الذي استهدف الشعب الكردي، أي منذ هيمنة العقل العنصري في سوريا، وإن بدرجات، وعلى مستويات، وأشكال تصاعدية متفاوتة، نتيجة تقسيم كردستان في اتفاقية سايكس بيكو (1916) وما تبعها من سياسات إنكار وتهميش. إذ تعمقت هذه المعاناة خلال عهدي الوحدة والبعث، حيث مورست ضد الكرد سياسات ممنهجة لاستهداف هويتهم ووجودهم. ومع اندلاع الثورة السورية (2011)، برزت تحديات جديدة أعادت تشكيل المشهد الكردي، بين الاحتلال التركي للمناطق الكردية والخلافات الداخلية. في خضم هذه الأزمات، يبرز  مرة أخرى دور الرئيس مسعود بارزاني كقائد يوحد الصف الكردي ويعيد الأمل لمستقبل أفضل.

خلافات كردية وسط أزمات وجودية
شهدت الساحة الكردية في سوريا خلافات بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، نتيجة الدور التسلطي لحزب العمال الكردستاني الذي حاول تقديم نفسه باسم هذا الأخير وسلبه القرار، بل سلب كرد سوريا قرار مصيرهم، ما أضعف موقف الكرد في مواجهة التحديات. هذه الخلافات استغلتها أطراف إقليمية ودولية لتعميق الانقسام. في الوقت ذاته، أسهمت الثورة السورية في كشف مدى هشاشة العلاقة بين المكونات السورية، خاصة مع ظهور شخصيات عنصرية استغلت الفوضى لضرب الكرد وتهميشهم.

النظام السوري، المدعوم من روسيا وإيران، استمر في سياساته القمعية، بينما وجدت تركيا وقطر في الوضع فرصة لفرض مخططات تغيير ديموغرافي في المناطق الكردية. ومع ذلك، تبقى القضية الكردية أكبر من كل هذه التفاصيل، إذ ترتبط بوجود شعب يواجه تحديات وجودية تتطلب وحدة الصف والقرار.

إنَّ احتلال تركيا لمناطق عفرين وسري كانيي / رأس العين (2018 - 2019) عبر أدواتها المتمثلة في "الجيش الوطني السوري" جسد أحد أشدّ المآسي التي عانى منها الكرد. في عفرين، التي كانت كردية، كاملة، تم تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بسكان من مناطق سورية أخرى - بل وبغير سوريين - في محاولة لتغيير هوية المنطقة. هذه السياسات شملت نهب الممتلكات، تدمير البنية التحتية، وقلع أشجار الزيتون التي تشهد على ارتباط الكرد بأرضهم.

ورغم صمود الكرد في وجه هذه التحديات، فإنَّ السياسات التركية التوسعية لم تتوقف. تركيا أعلنت مرارًا أنها لن تسمح بقيام أي كيان كردي على حدودها، وواصلت التلاعب بالإحصاءات السكانية لتبرير أفعالها.

دور الرئيس مسعود بارزاني: قيادة حكيمة
الرئيس مسعود بارزاني لعب دورًا محوريًا في توحيد الصف الكردي ومواجهة التحديات، من دون أن ينسى إرسال برقية إلى السيد أحمد الشرع لقيت ترحيباً واهتماماً من قبله، حث فيها على الاهتمام بدور الكرد بعد أن توهم كثيرون من أعداء الكرد أن لا مكان للكرد في مرحلة ما بعد الأسد، أيضاً، كما كانت في عهود ظلم البعث،  وذلك بعد لقاءات عديدة سابقة جمع فيها الأطراف الكردية في هولير / أربيل1-2 ودهوك وصلاح الدين، إذ سعى الرئيس بارزاني، باستمرار، وبروح الحرص، إلى صياغة اتفاق سياسي يعزز وحدة الموقف الكردي. رغم العقبات التي عرقلت تنفيذ الاتفاقات السابقة، استمر بارزاني في جهوده، مُدركًا أهمية الوحدة لمستقبل الكرد.

وفي خطوة حاسمة، من قبله، أرسل الرئيس بارزاني ممثله الدكتور حميد دربندي إلى قامشلي برفقة السفير الأميركي، حيث عقد لقاءات مع الجنرال مظلوم عبدي وقادة المجلس الوطني الكردي. هذا التحرك، الذي حظي بدعم دولي من الولايات المتحدة وفرنسا، أسفر عن اتفاق جديد يُمهّد لوحدة الصف الكردي.

رسالة الرئيس بارزاني للمستقبل
جاءت رسالة الرئيس بارزاني، في ظل تصاعد الخطابات العنصرية ضد الكرد، كدعوة لتوحيد الجهود والاعتراف بحقوق الشعب الكردي، مؤكدة أنَّ تتأسس سوريا الجديدة بدعامات من شراكة حقيقية بين جميع مكوناتها، بمن في ذلك الكرد الذين كانوا ولا يزالون جزءًا أصيلًا من تاريخ البلاد ونسيجها الاجتماعي، بل هم ثاني أكبر قومية تعيش فوق ترابها.

في المقابل، حاولت أطراف عنصرية استخدام الدين والسياسة لتهميش الكرد، إلا أنَّ وعي الكرد ويقظتهم أحبطا العديد من هذه المحاولات. أبرز هذه المحاولات تمثلت في رسالة رابطة العلماء في تركيا - وتحديداً من قبل بعض وعاظ السلطان - والتي تصدى لها شيخ كردي شاب بكفاءة، عقب احتلال عفرين، عندما دعا بيانهم إلى إبادة الكرد وإطلاق فتوى باغتصاب نسائهم، ما يظهر أهمية التكاتف في مواجهة التحديات.

تعاطف دولي واستعداء عنصري محلي إقليمي
لعل ضمير الأسرة الدولية قد استفاق من غفوته، لا سيَّما من قبل شخصيات من أصدقاء الكرد الذين يقرؤون مشهد الشرق الأوسط على نحو دقيق، ويدركون مدى الظلم الذي لحق بالكرد، كأصحاب أول قضية في الشرق الأوسط، قاطبة، تعرضت لأعظم غبن تاريخي، وتم تذويب أبنائهم في بوتقات الدول التي احتلت خريطة كردستان، وفي العالم على حد سواء، إذ إن الكرد - على سبيل المثال - كانوا يشكلون جزءاً كبيراً في مدن وأرياف دمشق وحماة وحمص والساحل..، إلا أنَّ أكثر هؤلاء قد تم تذويبهم، نتيجة سياسات التعريب التي فرضت منذ نشوء الفكر العروبوي العنصري الذي عمد حتى إلى سياسات التغيير الديمغرافي المصطنع - الجينوسايد الناعم إلخ، لإفراغ مناطقهم منهم، أو تهجيرهم، وكانت هناك جهات إقليمية راحت تعمل حتى مع بدايات الثورة السورية إلى إجراء - إحصاءات - مزورة. مضللة، بدفع من دوائر عنصرية في تركيا وقطر، للإيهام أن الكرد أقلية حتى في مناطقهم ليلتقوا مع سياسات بشار الأسد الذي أعلن قبل حوالى سنتين ما معناه أن الكرد حتى في مناطقهم لا يزيدون عن 16 بالمئة من إجمالي السكان، بينما كانت نسبة الكرد في عفرين 100 بالمئة، وهكذا في كوباني وريفها، ناهيك عن الجزيرة، بل إنه في أحد إحصاءات مدينة دمشق في العام 1906-1908 يتبين أن في دمشق وحدها ستين ألف كردي من أصل مئتي ألف مواطن هم مجموع السكان!

إقرأ أيضاً: الكرد السوريون وخياراتهم: واقع معقد وآفاق مفتوحة 

هؤلاء الذين سنوا سكاكينهم لذبح الكرد وتقاسم أموالهم وأملاكهم وحتى استباحة أعراضهم، وعدم التحرك أمام احتلال مناطقهم، بينما تضخيم الأمور عند وقوع انتهاكات في المناطق غير الكردية، وفي هذا ما يدل على عدم نزاهتهم، تجدهم يهللون أمام انحسار التعاطف مع الكرد، وعلى وقع خطابات وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، كما أنهم يعودون إلى - مربعهم المخادع - أنى ظهر تعاطف ما، متوعدين في هذه الحالة أو تلك - جيرانهم - الكرد الذين حموا مناطقهم من داعش، رغم وقوع أخطاء، لا بد من تقديمها للعدالة أياً كان الجناة!

الاتفاق الأخير بين الأطراف الكردية، بفضل جهود الرئيس بارزاني، يُعد إنجازًا كبيرًا للشعب الكردي. الاحتفالات التي عمت الأوساط الكردية في الوطن والشتات تعكس مدى الأمل الذي يحمله هذا الاتفاق لتجاوز الخلافات وبناء مستقبل أفضل.

إقرأ أيضاً: حزب الملايين: كيف اختفى خلال ساعات؟

ورغم أنَّ الطريق مليء بالتحديات، فإن وحدة الصف الكردي تمثل ضرورة وجودية وليست خيارًا. الأطراف المتضررة من هذا الاتفاق قد تحاول عرقلته، إلا أن الإرادة الشعبية ودعم القيادة الكردستانية بقيادة الرئيس بارزاني ستعيد الجميع إلى المسار الصحيح.

المرحلة المقبلة تتطلب تعاونًا أكبر بين الكرد أنفسهم واستثمار الدعم الدولي لتحقيق حقوقهم المشروعة. وحدة الصف الكردي، التي يقودها الرئيس مسعود بارزاني، تُشكل بارقة أمل للشعب الكردي في سوريا. بفضل حكمته ورؤيته، توضع القضية الكردية على مسار جديد يفتح آفاقًا واسعة لتحقيق تطلعات هذا الشعب الذي صمد طيلة قرن من الظلم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف