: آخر تحديث

التقارب بين لبنان وسوريا ضرورة إقليمية

2
2
2

يفتح التغيير الكبير في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد صفحة جديدة في تاريخ البلد، بعد عقود طويلة من سيطرة الدولة المافياوية على البلاد، والتي لم تكتفِ فقط بنهب المال العام وإذلال الشعب السوري، بل عمدت إلى توظيف سوريا في خدمة الأجندة الإيرانية المعادية لدول المنطقة. ولعل الضرر الأكبر الذي سببه نظام آل الأسد كان على لبنان بالنظر إلى عاملي الجغرافيا والتاريخ، اللذين انعكسا على طبيعة العلاقات ما بين البلدين منذ اتفاقية سايكس بيكو إلى أن سقطت سوريا في يد البعثيين وأصبحت العلاقة محكومة بنزعة تسلطية انتقلت بجينات الوراثة من الأسد الأب إلى الأسد الابن.

انكفاء المشروع الإيراني في المنطقة بفعل نتائج 7 تشرين الأول (أكتوبر) العكسية، ورحيل النظام السوري، حدثان يشكلان دافعاً قوياً لإعادة بناء نسق جديد في مسار العلاقات بين دمشق وبيروت. ومع ذلك، من المبكر الحديث عن قطف ثمار هذه العلاقة الجديدة رغم كل ما حمله لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية بقائد الإدارة السورية الجديدة في دمشق من إشارات إيجابية متبادلة. أمامنا تجربة سورية جديدة لا يتجاوز عمرها شهر واحد، لا بد أنها منشغلة بتثبيت سلطتها أكثر من أي شيء آخر. من الصعب الحكم على أدائها رغم كل النوايا الحسنة التي تحاول أن تسوقها للخارج. من المفترض أن تدير مرحلة انتقالية تمتد لأربع سنوات، وغالباً ما تكون صلاحيات الحكومة الانتقالية محدودة بهدف إدارة شؤون الدولة مؤقتاً حتى انتقال السلطة وكتابة دستور جديد. ولذلك، فإنَّ تأجيل مسألة ترسيم الحدود مع لبنان قد يكون وارداً من باب ضمان شرعية القرارات تحت الإطار القانوني الذي يخوله الدستور.

أمامنا أيضاً عهد جديد في لبنان يحتاج إلى تفكيك الألغام التي زرعها حزب الله في المشهد السياسي، قبل المرور إلى الشق الاقتصادي الذي يستدعي إجراءات طارئة. لا بدَّ من علاقات تحكمها البراغماتية والهدوء مع سوريا، باعتبارها المنفذ البري الوحيد للبنان والذي يمكنه من التواجد على مسافة أقرب مع بُعده الإقليمي. لذلك، من الطبيعي أن تأخذ الملفات الداخلية حيز الأولوية، ويُترك الإرث الثقيل من الملفات المعقدة مع سوريا إلى حين أن تتضح الرؤية.

إقرأ أيضاً: مخيم اليرموك للاجئين.. من الألم إلى الأمل

قدرة لبنان على استيعاب ومراعاة تأجيل ملف حساس كترسيم الحدود قد تكون ممكنة، لكن الأمر يختلف في مسألة ملف اللاجئين السوريين. يحتضن لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري يشكلون عبئاً هائلاً على بنيته التحتية وخدماته العامة التي بالكاد توفر الحاجات الأساسية للبنانيين. في المقابل، تشكل مسألة الأموال السورية العالقة في النظام المصرفي اللبناني حجر الأساس في المطالب السورية الحالية. سوريا بحاجة إلى عودة رأس المال الوطني لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد المنهك بما يمكن، على الأقل كخطوة أولى، من خلق فرص عمل تضمن الإبقاء على الهدوء الذي تحتاجه العملية الانتقالية. والأجدر أن يتعامل البلدان في معالجة هاتين المسألتين بمنطق "الصفقة"، تلافياً لتصادم قد تستغله أطراف لدق إسفين في العلاقة الجديدة بين دمشق وبيروت.

تقارب متزن ومستقل بين سوريا ولبنان، مبني على المصالح المشتركة واحترام السيادة، من شأنه أن يضع حداً لأي تأثيرات سلبية بإمكان إيران أن توظفها من أجل الحفاظ على ما تبقى من نفوذ حزب الله في لبنان. لذلك، لا بد أن تعمل الأنظمة العربية على دعمه وتعزيزه، إذا أرادت المحافظة على مكتسبات سقوط نظام الأسد بالشكل الذي يمنع محور الشر الإيراني من إعادة تشكيل نفسه.

إقرأ أيضاً: الدم الفلسطيني بين المأساة وأجندات السياسة

من زاوية أوسع، فإنَّ المتغيرات الجديدة في سوريا ولبنان من شأنها أن تساهم في إعادة تشكيل المشهد السياسي الإقليمي على نحو مغاير وبعيد عن التوترات والحروب التي أشعلتها إيران بالوكالة وجعلت فيها كلا البلدين أشبه بمستودع ذخيرة. لا شك أن انكفاء الدور الإيراني في سوريا ولبنان سينهي الحجة الإسرائيلية التي استُخدمت لتبرير رفض المضي قدماً نحو حل سياسي مع الفلسطينيين تحت ذريعة "محاربة محور الشر"، وهو الأمر الذي يفتح آفاقاً جديدة للقضية الفلسطينية مع تعزيز إمكانية حل الدولتين، الذي طالما كان محور الجهود الدبلوماسية الدولية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف