منذ عام 2017، حين تزايدت الاحتجاجات الشعبية وتنامى نشاط الخلايا الداخلية لمجاهدي خلق في كامل أرجاء إيران، خاصة بعد انتفاضة 28 كانون الأول (ديسمبر) 2017، التي توجت تلك الاحتجاجات والنشاطات، واعتراف النظام، وعلى لسان الولي الفقيه علي خامنئي، بالدور الرائد لمجاهدي خلق من حيث الإعداد والتنفيذ، فإنَّ موقف النظام الإيراني من المقاومة الإيرانية لم يعد كما كان من قبل، لا سيما بعد أن أصبح الطابع السياسي ـ الفكري يطغى على الانتفاضات، وهو الأمر الذي طالما تخوف منه النظام.
العملية الإرهابية ضد التجمع السنوي للمقاومة الإيرانية في باريس عام 2018، والتي كان يقودها السكرتير الثالث في سفارة النظام في النمسا، ومن بعدها ما قام به النظام ضد معسكر أشرف 3 في ألبانيا، إلى جانب الاتصالات السياسية وعلى أعلى مستوى من قبل مسؤولي النظام والدول التي تتواجد فيها المقاومة الإيرانية، بالإضافة إلى مهزلة المطالبة بتسليم أعداد من أعضاء المقاومة الإيرانية لمحاكمتهم أمام محاكم النظام، كان كل ذلك تعبيراً عن مرحلة جديدة من الصراع بين النظام وبين المقاومة الإيرانية.
من الواضح جداً أن النظام قد بذل كل ما في وسعه من أجل تجاهل دور وتأثير المقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق من خلال التعتيم عليه، لكن انتفاضة أواخر عام 2017، التي فتحت الباب على مصراعيه لطغيان الطابع السياسي على الانتفاضتين الأخريين اللتين اندلعتا بوجه النظام، لم تحرج النظام فحسب، وإنما جعلته يشعر ببالغ القلق من جراء ذلك، وهو ما أجبره على التحرك بالأساليب التي ذكرناها آنفاً.
انتفاضة 16 أيلول (سبتمبر) 2022، التي دامت لأشهر، دفعت النظام ليعيد النظر في حساباته ويقوم مرغماً بإعادة النظر في علاقاته مع بلدان المنطقة في سبيل تحسين وتعزيز وضعه وموقفه إقليمياً ودولياً، ويجعل من ذلك مظلة وقاية له من وابل الاحتجاجات الشعبية ونشاطات الخلايا الداخلية لمجاهدي خلق. ومن دون شك، فإنه قام أيضاً إلى جانب ذلك بإثارة حروب وأزمات في المنطقة بالسياق نفسه، ولكن لا يبدو أن الرياح قد جرت هذه المرة بما تشتهي سفن النظام، وبشكل خاص بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث رجح عدد كبير من المراقبين والمحللين السياسيين أن إيران ستكون التالية بعد سوريا!
إقرأ أيضاً: سقط بشار الأسد… ماذا عن النظام الإيراني؟
مهما جرى تضخيم بعض من المعارضات المفتعلة التي تحمل الصفة الإيرانية، والتي لا دور لها داخلياً وتحاول انتهاز الفرص، ليس هناك من معارضة يمكن أن ترقى إلى مستوى المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في داخل إيران وخارجها. وإنَّ النشاطات المستمرة لهذا المجلس منذ تأسيسه في عام 1981، وحتى الآن مشهود لها. وبهذا الصدد، فإنَّ الاجتماع الأخير للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس بمشاركة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية، والذي حضرته شخصيات دولية بارزة، ولَّد مشاعر خوف وقلق لم يتمكن النظام من إخفائها، وهو ما قد عبرت عنه صحيفة "كيهان" المعروفة بكونها ناطقة بلسان خامنئي.
صحيفة "كيهان" قد عبرت في مقال لها عن قلقها العميق حيال الاجتماع الأخير وجسدت من خلاله مخاوف النظام من التأثير المتزايد للمقاومة الإيرانية. وحتى إن هذه الصحيفة لم تكتف بمهاجمة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية فحسب، بل وجهت أيضاً انتقادات لاذعة للجناح الداخلي للنظام الذي يدعو للتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة. ووصفت الصحيفة هذا التوجه بأنه "عار تاريخي لدعاة الامتثال لمجموعة العمل المالي (FATF) ومؤيدي التفاوض مع (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب"، في إشارة إلى أولئك الذين يسعون للتواصل مع الغرب.
إقرأ أيضاً: هل انتهى شهر العسل بين بزشكيان والبرلمان؟
وأضافت الصحيفة أن حضور ممثل لإدارة ترامب في اجتماع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يثبت أن "ترامب، خلافاً لما يروجه الموالون للغرب داخل النظام، لا يزال هو نفس الشخص الذي أمر باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ولم يغير هويته". كما أعادت كيهان تكرار اتهامات النظام للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وانتقدت مجموعة العمل المالي (FATF)، مشيرة إلى أنه لو كانت هذه المؤسسة مستقلة فعلاً وغير مسيسة، لكانت قد فرضت عقوبات على الولايات المتحدة وفرنسا لدعمهما للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
هذا الرد الحاد من كيهان يبرز خوف النظام الإيراني من تصاعد نفوذ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والانقسامات الداخلية المتفاقمة داخل هيكله الحاكم. يبدو أن نظام خامنئي يدرك جيداً أن أي تنازل للمعارضة أو للمطالب الدولية قد يؤدي إلى زعزعة استقراره.