مُنذ أكثر مِن30 عاماً تعكف مؤسسة R+V على استطلاع آراء المواطنين الألمان عَن أكبر مَخاوفهم بشأن البيئة والمُجتمع والسياسة والصِحة والاقتصاد. ولكونها الدراسة الطويلة الأمَد الوحيدة في ألمانيا حول مَخاوف السُكان الألمان، فقد باتت توَثِّق جُزءاً مِن تأريخ الألمان المُعاصِر.
هل سَتستمِر الأسعار بالإرتفاع؟ هل ما زال بإمكاني البَقاء في شقتي؟ هل سَتمتليء ألمانيا بمَزيد من اللاجئين والمُهاجرين؟ تُمَثّل هذه التساؤلات مَصدر قلق كبير للعَديد مِن الألمان، كما بَيّنَت هذه الدراسة التي نشرت أواخر 2024 بعنوان "مَخاوف الألمان 2024". فقد أظهرت أنَّ القضايا الاجتماعية والسياسية باتت تكتسِب أهمية مُتزايدة، ويَشمُل هذا قبل كل شيء المَعيشة والهُجرة، بعد أن كان المناخ على رأس مَخاوف الألمان. فقبلها، كانت هُناك قاعدة ثابتة تنطبق على مَشاعر التهديد لديهم، وهو تغَيّر المناخ نتيجة الاحتباس الحراري. رغم هذا فإنَّ عِبارة "هناك حالياً أشياء أهم من تَغَيّر المَناخ" لم توافق عليها أو ترفضها الأغلبية، فقد كان هناك فرق 72 نقطة حَولها بين مؤيدي حِزب الخضر وحِزب البديل من أجل ألمانيا.
القلق والخَوف مِن ارتفاع تكلفة المَعيشة جاء بالمَركز الأول، فقد قال 57 بالمئة مِمّن شَملهم الاستطلاع أنهم يَخشون استِمرار إرتفاع الأسعار، فيما يَخشى 52 بالمئة مِنهم أن ترتَفع إيجاراتهم. وقد ظهَر هذا الخَوف بشَكل مُتكرِّر في الاستطلاعات التي جَرَت خلال الفترة الأخيرة. تقول غريشا رابنوفيتش، القائِمة على الدراسة: "تُظهِر نَظرة على إحصائيّاتنا طويلة الأمَد بأنه عِندما يتعلق الأمر بمَحافِظِهم الخاصة، فإنَّ الألمان يتفاعَلون بحَساسية. لقد سَيطر الخَوف مِن ارتفاع تكاليف المَعيشة على هذه الدراسة أكثر مِن أي خَوف آخر، ففي العقود الثلاثة الماضية، احتل المَركز الأول 14 مَرة والثاني سبع مَرات".
قضِيّة الهُجرة أيضاً تُثير قلق الناس في ألمانيا وتطغى على تفكيرهم، مُحتلة المَرتبة الثانية بين مَخاوفهم. إذ يَخشى 56 بالمئة، أي أكثر مِن النِصف، مِن عَدم قدرة المُجتمع والسُلطة على التعامُل مَع الأعداد المُتزايدة للاجئين. وذكر 51 بالمئة مِمّن شَملهم الاستطلاع أن المَزيد مِن الهُجرة قد يؤدي إلى توَتّرات داخل المُجتمع. تقول إيزابيل بوروكي، خبيرة العلوم السياسية في ماربورغ، التي ترافق الدراسة كمُستشارة: "لم تَتِم مُعالجة المَشاكل الأساسية المُتعلقة بالهُجرة والاندماج لفترة طويلة، أو تم التعامُل مَعَها بطريقة خاطِئة، والنتيجة هي الفشَل"! من ناحية أخرى، زادت المَخاوف بشأن كراهية الأجانب في الآونة الأخيرة فوق المُتوَسِّط بين أنصار جَميع الأحزاب الألمانية، باستثناء حِزب البديل من أجل ألمانيا.
إقرأ أيضاً: إيران ومُرتزقتها يُخَرّبون والعَرب يُعَمِّرون
إضافة الى هاتين القضيّتين الأساسيّتين، أشار الألمان الى مَخاوف أخرى تؤرقهم، لكن بدَرجة أقل. ففي شَرق ألمانيا مثلاً أشار 60 بالمئة الى خَوفهم مِن إرهاق الدولة إلى حَد ما، أكثر من ألمانيا الغربية، التي كانت النسبة فيها55 بالمئة، فهُنالك شُعور في أجزاء مِن المُجتمع، خُصوصاً شَرق البلاد، بأنه لا يَتِم التعامل مَعَهم بعَدالة، وهو ما يُفاقِم نَظرتِهِم الى المُهاجرين بأنهم تهديد، ويدفع بعضهم لانتخاب حِزب البديل اليَميني، كما حَصل في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في ولايتي تورنغن وساكسونيا. هناك أيضاً مَخاوف بشَأن التطَرّف السياسي، فوِفقاً للدراسة، ازدادت المَخاوف بشَأن التطرف السياسي بشَكل خاص، وقال 46 بالمئة مِمّن شَملهم الإستطلاع أنهم يَخشون التطَرّف السياسي، 48 بالمئة منهم يَخافون مِن التطرّف الإسلامي، و38 بالمئة مِن التطَرّف اليَميني و7 بالمئة مِن التطَرّف اليَساري. هذا يَقودنا الى قضية أخرى هي الخَوف من الإرهاب، الذي زادَ بنِسبة خَمس نقاط ليبلغ 43 بالمئة، خصوصاً أنه وقبل وقت قصير من أجراء الدراسة، وقَع هُجوم قاتِل بسِكّين على ضابط شُرطة في مانهايم". القلق مِن وصول الحُكام المُستبدين للسُلطة حَل في المَرتبة التاسعة، فـ 46 بالمئة مِمّن شَمِلهم الاستطلاع يَخشون صُعود حُكام مُستبدين بجَميع أنحاء العالم، وهو خَوف ارتفَع الى المَراكز العَشرة الأولى في القائِمة، بعد أن كان في ذيلها. وجَاء بعده بفارق مُهِم الخَوف مِن التوَتّر بين أوروبا وروسيا في المَرتبة 16، في ظِل إستِمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، والخَوف مِن دخول ألمانيا طَرفاً فيه، رغم أن النِسبة بَقِيَت عند41 بالمئة كما السَنَتين السابقتَين. هذا يَعني أنه لا يَزال أكبَر مِمّا كان عليه قبل الحَرب، فعام2021 كانت النسبة 16 بالمئة.
إقرأ أيضاً: حَكَم البَعثِيّة.. لا شِفنا وحدة ولا ذِقنا حُرية ولا عِشنا اشتِراكِية
أخيراً وليس آخراً، يَشعُر مُعظم الألمان بقلق أقل إزاء مَخاطِر حَوادث مَحّطات الطاقة (29 بالمئة) والجَرائم الجنائية (23 بالمئة). هُناك أقلية تشعُر بالقلق أزاء سوق العَمل، فـ30 بالمئة مِمّن شَملهم الاستطلاع يَخشَون ارتفاع البَطالة، ونِسبة أقل (22 بالمئة) تخشى فقدان عَمَلها، رغم أن سوق العَمل تعيش فترة كَساد هي الأسوَأ مُنذ عُقود تُهَدّد آلاف الوظائف بسَبَب نِيّة بعض الشَركات، حَتى الكبرى مِنها التي كانت رَكيزة الاقتصاد الألماني وفَخر صِناعته، لإغلاق بَعض أو كل مَصانعها، والانتقال الى دول أخرى تُستقطَع مِنها ضَرائب أقل، وتوَفّر لها خَدَمات أفضَل. أخيراً حَل الخَوف مِن الذكاء الاصطِناعي في المَرتبة 20، إذ عَبّر حَوالى ثلث الألمان عَن خَوفهم مِن أنه يُعَرّض المُجتمَع للخَطَر، وقد تم طَرح هذا القلق لأول مَرة في دِراسة 2024.