لا يبدو وجود غموض كبير في ردّ فعل الجانب الإسرائيلي على انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، إذ لم تكن الأمور الأمنية والاستراتيجية في ظل وجود الأسد الأب والابن مقلقة بالنسبة إلى إسرائيل، التي كانت تشعر بكثير من الارتياح لوجود نظام قادر على حماية حدود إسرائيل، بل أكاد أجزم أن لها مساهمات في استمرار هذا النظام. اليوم، وبعد زوال النظام تماماً، أصبح القلق الإسرائيلي واضحاً من خلال الاعتداء العسكري على دولة مستقلة لها تركيبتها السياسية وقيمتها الإقليمية.
الغريب في الأمر، والذي يصل إلى مستوى الحيرة، وقد ندخل في تفسيرات جديدة وفق المنطق المرتبط بالواقع، أن (النظام الجديد) لم يصدر عنه ما يجعل الجانب الإسرائيلي يعيش حالة القلق التي نلاحظها. فلم يسبق أن صرّح أي مسؤول عسكري في (النظام الجديد) بأن لديه أهدافاً معينة تجاه إسرائيل أو أعرب عن احتمالات قد تكون قائمة في المستقبل لاسترداد الجولان المحتل. وكأن إسرائيل تؤكد للعالم بهذا السلوك أنها دولة عدائية لا تريد السلام، ولا تسعى إلى توثيق مبادئها والتصالح مع جيرانها.
هي فقط تؤكد ما نحن نعرفه ومتيقنون منه: أنها دولة لا تحتاج إلى أي ذريعة أو مسببات لكي تشنّ هجوماً على أي دولة جارة متى وجدت الفرصة سانحة. إسرائيل تنسى دائماً أنها صناعة الغرب، ولم يكن لها وجود في تاريخ المنطقة، ودورها الحقيقي عدواني بحت، ينتهج أسلوباً مشبوهاً لزعزعة استقرار المنطقة. الكل يعي ويفهم هذا الدور جيداً، ولن تستطيع فعل شيء سوى انتظار الفرص حتى تعيش دورها التخريبي في المنطقة.
أكثر ما يثير الانتباه، ويعزّز هذا الانطباع عن دورها العدواني في المنطقة، حماية الغرب وأميركا لها، فلا يطولها أي نوع من أنواع الإدانات. غير أن مجلس الأمن يقوم بدور غريب في الدفاع عن إسرائيل، وكذلك الأمم المتحدة والمحاكم الدولية والجنائية. حالة عدم الاهتمام التي يلاحظها العالم من جميع هذه الأطراف، وغض الطرف عن أي عدوان تقوم به إسرائيل، حتى ولو كانت حرب إبادة جماعية كما حدث ويحدث في قطاع غزة، لا يجعلنا ننتظر تعاوناً واضحاً من المجتمع الدولي لكبح جماح هذه الانتهاكات الإسرائيلية!
العدوان المتواصل على سوريا من الجانب الإسرائيلي ليس له ما يبرّره، وحتى الردّ على هذا العدوان من الجانب السوري لم يحدث. فالواضح أن السوريين مشغولون في إعادة سوريا للحياة مجدداً، وجلّ اهتماماتهم ينصب على أن تكون سوريا الجديدة في مكان آخر يليق بدولة ذات تاريخ وحضارة وعمق استراتيجي لا يمكن أن تبقى على هامش التاريخ مهما تكالبت عليها الظروف. لذلك، إسرائيل تحاول أن تصل إلى مكتسبات هي في واقعنا ومفهومنا اعتداء سافر لا يمتّ للأخلاق بصلة بعد سقوط بشار الأسد.
لذلك، وبحكم التعود، أسهل شيء تقدّمه إسرائيل للعالم هو التبريرات البليدة التي تصدرها عند أي اعتداء تقوم به. ولعل آخر تلك التبريرات ما قيل تجاه الضربات المتواصلة في سوريا، فهي تقول إنها قضت على أكثر من 80 بالمئة من قدرات الجيش السوري بكل أنظمته القتالية على مستوى الدفاع الجوي، والطائرات الحربية، والمروحيات، والقواعد العسكرية، حتى لا يستفيد منها النظام الجديد في شنّ هجوم على إسرائيل.
رغم أنها على يقين إن حدث ذلك فهي أول من سيعرف، وهناك من يقف في ظهرها لردّ أي هجوم يستهدف تل أبيب، لكن إعطاء شرعية لما تفعله تجاه سوريا حالياً أمر ليس بمستغرب. فهل تنتظر إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة ما تفعله الآن في سوريا؟ وهل كانت تحتاج إلى هذا؟ فالعالم يرى ما تفعل إسرائيل وما زال يلتزم الصمت.
إقرأ أيضاً: السلام السوري والفرصة الأخيرة
على مرّ التاريخ، نلاحظ حالة الخوف التي تعيشها إسرائيل من أي أحداث تحدث في المنطقة، وتتحرك وفق هذه الحالة. فإسرائيل منذ عهد حافظ الأسد امتداداً لبشار الابن لم يصلها أي تهديد بشكل رسمي، ولم يخرج من الأراضي السورية أي رصاصة نحو تل أبيب. فهل صوّر لهم خوفهم أن الدولة الجديدة في سوريا ستكون خطراً قائماً عليهم ما لم يحدث العكس؟ وهذا الخوف جعلها تتوغل في الأراضي السورية في الأيام الماضية بعد انهيار نظام بشار الأسد!
كل هذه الأحداث، وعلى وجه الخصوص ما يحدث من الجانب الإسرائيلي تجاه سوريا وأراضيها وممتلكاتها العسكرية، توجب على السوريين أن يتحدوا ويحافظوا على وحدة أراضيهم. فالمرحلة اليوم في قمة الخطورة. القضاء على نظام بشار مرحلة مهمة ونقطة انطلاق، لكن ليست كل العمل المراد تنفيذه في سوريا لتصبح دولة جديدة مستقلة.
إقرأ أيضاً: "أخيراً وليس آخراً" عادت سوريا
هذا لن يحدث إلا من خلال التضامن بين جميع فئات الشعب والقوى الفاعلة فيه. المشاركة العامة ضرورية، لأن شؤون الدولة تتطلب ذلك، دون الدخول في نزاعات من أي نوع، ولا صراعات تضرب وحدة الصف السوري، ولا حتى خلافات تشتّت الشمل، وتفقد الجميع التركيز في مستقبل سوريا الجديدة.
كل من يحاول سلب كل شيء ثق أنه لن يعطيك أي شيء، ولو أعطاك ستشعر بالإهانة.