إنَّ ما حدث في سورية من سقوط (دراماتيكي) سريع ومذهل لنظام بشار الأسد لم يكن في حسبان أشد المنجمين تفاؤلاً، ولا حتى كبار المحللين للسياسات الإقليمية في المنطقة الشرق أوسطية. وقد تلقى النظام القمعي الإيراني صدمة كبيرة بالسقوط غير المتوقع لحليفه الاستراتيجي بشار الأسد، فهو عضيد إيران المدلل الذي لم يحد عن خطى والده في تعزيز ثقته وولائه للنظام الإيراني، والاتكاء على دعمه له بما يحفظ له دوام حكمه، وتحصينه ضد كل ما يتجاذبه من أخطار مستقبلية خارجية كانت أم داخلية. وبذات الوقت، وجد فيه ملالي إيران الوريث الغض الذي من السهولة بمكان السيطرة عليه واستخدامه جسراً لتمرير وتحقيق أحلامهم الإقليمية التي داعبت خيالهم طويلاً، وجهدوا لرؤيتها تقارب ما أرادوا الوصول إليه لإرضاء غرورهم، و"براغماتيتهم" المنفلتة من عقالها، دون الأخذ بعين الاعتبار التوازنات السياسية المتشابكة وما يترتب عليها من دعم دولي له امتداداته ورؤاه متسعة الآفاق.
وجه اجتثاث حكم بشار الأسد مؤخراً صفعة موجعة لنظام إيران القمعي، حيث انفصمت عرى المد والامتداد الجيوسياسيان بين طهران وبيروت... ذلك الربط الذي اعتقد صناعه بمتانة تواشجه، واستحالة انفكاكه مهما تبدلت الظروف السياسية والعسكرية وتقلباتهما. لكنها مشيئة الله فوق كل مشيئة أولاً، وثانياً إصرار قوى الثورة وتعطشها لأنسام الحرية والتحرر، ومضيها نحو النصر المؤزر بكل صلابة وثبات هو ما أدى إلى ذلك السقوط السريع والمريع لقوى الشر والتجبر في سورية، وتقهقر ملالي البغددة الإيرانية بعد كنسهم المذل من سورية الأموية، وقطع الطريق بينهم وبين حزب الله (وكيلهم المعتمد). إنَّ انتصار الثورة المباركة في سورية حجم ملالي الفساد في إيران، وأجبرهم على الخروج صاغرين، فقبعوا يتحسرون على تهدم ما بنوه بهذه السرعة المباغتة، وكأنهم في حلم يصعب تصديقه.
إن هذه التحولات في سورية جلبت معها تأثيراتها السلبية للنظام الإيراني المصدوم وحلفائه، وكذلك كان لها تأثيرها الإيجابي على أكثر من صعيد:
أولاً: إن سقوط بشار الأسد الذي كان قد فتح الأبواب على مصراعيها لنظام إيران القمعي كشف هشاشة وتآكل هذا النظام الذي اعتقد بأنه سيكون بمنأى عن كل انكسار في ظل تحالفه مع بشار الأسد فخاب ظنه وتبدد حلمه.
ثانياً: هبوط هيبة نظام الملالي الإقليمية، وانكشاف زيف ادعاءاته وتهديداته الجوفاء التي ما فتأ يسوق لها عبر أبواقه الإعلامية رغم مجافاتها للواقع وبعدها عنه.
ثالثاً: انكسار كافة عصابات الملالي في سورية، وتعاظم عزلتهم عنها وعن لبنان، وانحسار ميليشياته في العراق منتظرة مصيرها الذي لن يختلف عن مصيرها الذي لاقته في سورية.
رابعاً: افتضاح جرائم النظامين نظام الملالي ونظام الأسد أمام العالم أجمع.
خامساً: ظهرت الثورة السورية كثورة وطن وثوار شقوا طريقاً ولم يتراجعوا عنه رغم الصعاب.
سادساً: لقد أعطى سقوط الأسد ونظامه وانكسار ملالي إيران شحنات معنوية عالية لوحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وسيكون ذلك دافعاً على ازدياد قوتها وحراكها المتصاعد مما سيسهم في وسعة رقعة الاحتجاجات والاضطرابات بين صفوف الشعب الإيراني الرافض لكل أشكال التنكيل والتكبيل.
سابعاً: بروز حصافة ودقة الرؤية السياسية لدى المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بزعامة المناضلة مريم رجوي، وتقييمها الصائب للوضع القائم في إيران، وما يحتاجه من تغيير ثوري نحو الديمقراطية والحرية من خلال برنامج المواد العشر إذ تبدو اليوم أقرب لتحقيق طموحات الشعب الإيراني الأبي من أي وقت مضى.
ثامناً: إن تقليم أظافر ذراع ملالي إيران في لبنان وسورية سوف تكون له انعكاسات سلبية على باقي الأذرع سواء في العراق أو لبنان أو اليمن أو غيرهم ممن يعملون بتوجيهات الملالي؛ ذلك لأن عقلية التحجر المعشعشة في جماجم حكام إيران لم تستطع الانفتاح أمام المشهد السياسي الإقليمي والعالمي سريع التغير والمتبدل المواكبان والمتكيفان مع كل المعطيات وفقاً لما تقتضيه مصالح الدول.. الأمر الذي لم يسمح للنظام الإيراني الدكتاتوري الذي أضرت به سياسة التمدد والهيمنة والاستفراد بالشعوب ومقدراتها.
إن ما هو آت في قادم الأيام سيكون وبالاً على حكام إيران بسبب ممارساتهم غير الإنسانية في الداخل والخارج، وستتأكد مصداقية ونبل انتفاضة الشعوب الرافضة لسياسة الإذلال بكل أشكاله مهما امتد الزمان وتعاظمت قدرات الطغاة.