يجب أن نعترف أنَّ فكرة المقال ليست جديدة، فقد ناقشناها مع بعض الزملاء منذ أكثر من سنة، بسبب المفاجآت التي كنا نسمعها من بعض الديمقراطيين العريقين في ولايات تعتبر معقلًا للحزب الديمقراطي، حول عدم الرضا عن أداء الإدارة الديمقراطية الحالية. بناءً عليه، كوّنا الرأي سابقًا عن نتيجة الانتخابات الأميركية القادمة. لكن ما حدث من انقلاب على الرئيس جو بايدن من الديمقراطيين أنفسهم أكد هذه التوقعات بخصوص الفائز بالانتخابات القادمة.
من المعتاد أن يتجنب الكتاب اختيار مرشح معين في الانتخابات الأميركية والتنبؤ بفوزه، بل يفضلون أن تكون كتاباتهم شاملة لكلا الاحتمالين، حتى إذا فاز أحد المرشحين، يقومون باقتباس الأجزاء التي تدعم الفائز من مقالاتهم. هذا يشبه إلى حد ما السياسة البريطانية، حيث يصعب تحديد موقفهم من موضوع معين، فلا تعرف إن كانوا مع أو ضد، ويعتبرون ذلك ذكاءً وشطارة، لكنني أراه نوعًا من الجبن، لأن المتردد لا يتقدم دائمًا. في نهاية المطاف، يجب على الإنسان أن يتخذ موقفًا، حتى لو اتضح لاحقًا أنه كان خاطئًا، فالأهم أن تكون غالبية آرائه صحيحة، وعليه أن يتحمل مسؤولية أخطائه. معيار النجاح هو أن تكون معظم الآراء أو التوقعات صحيحة، وليس كلها. ولا شيء أسوأ من الرأي الخاطئ إلا التردد، لذلك قررنا اختيار فوز أحد المرشحين. قد أكون على صواب أو خطأ، لكنني سأذكر توقعي للفائز في نهاية المقال.
في الآونة الأخيرة، تزايدت التكهنات حول دوافع الرئيس بايدن في اختيار نائبته كاميلا هاريس كمرشحة للرئاسة. البعض يرى أن هذا الاختيار لم يكن بدافع الحب أو الثقة بقدراتها، بل كجزء من استراتيجية انتقامية ضد بعض أعضاء الحزب الديمقراطي، وخاصة الرئيس السابق باراك أوباما ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. من المعروف أن بايدن واجه ضغوطًا شديدة من داخل حزبه للتنازل عن الترشح لصالح هيلاري كلينتون في الانتخابات السابقة. هذه الضغوط، التي قادها أوباما وبيلوسي، تركت أثرًا عميقًا في نفس بايدن، الذي كان يعتقد أنه كان لديه فرصة أفضل للفوز ضد دونالد ترامب. وتكرر الموضوع مرة أخرى مع هاريس، وهذا الشعور بالخذلان ربما دفع بايدن إلى اتخاذ قرار غير تقليدي في اختيار هاريس الضعيفة!
أداء كاميلا هاريس في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي سابقًا لم يكن مبهرًا، حيث انسحبت مبكرًا من السباق بسبب نقص الدعم. هذا الأداء الضعيف جعل البعض يشكك في قدرتها على الفوز في الانتخابات العامة ضد ترامب. ومع ذلك، اختارها بايدن كمرشحة بدلاً له، مما أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية. التنسيق بين أوباما وبيلوسي وبعض أعضاء الحزب الديمقراطي مع الإعلام اليساري لشن حملة ضغط على بايدن للتنازل عن الترشح قد يكون أحد الأسباب التي دفعت بايدن لاختيار هاريس. ويعتقد البعض أن بايدن اختار "خيار شمشون" بتقديم مرشحة ضعيفة لضمان هزيمتها أمام ترامب، وبالتالي الانتقام من الحزب الذي خذله.
حتى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، لم يكن مقتنعًا تمامًا باختيار هاريس وتأخر في دعمها. هذا التأخير يعكس الشكوك الداخلية في الحزب حول قدرة هاريس على الفوز. ومع كل هذه العوامل، يبدو أن الطريق أمام ترامب قد يكون مفتوحًا للعودة إلى البيت الأبيض. قد يكون اختيار هاريس جزءًا من استراتيجية بايدن للانتقام من الحزب الديمقراطي، ولكنها قد تكون أيضًا خطوة محفوفة بالمخاطر وقد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة.
لا يمكن إغفال تأثير جيل بايدن، زوجة الرئيس، في هذه المعادلة. جيل كانت دائمًا داعمة لزوجها، وتؤمن بقدرته على القيادة والفوز. دعمها المستمر لبايدن قد يكون أحد العوامل التي جعلته يشعر بالثقة في اتخاذ قرارات جريئة، حتى وإن كانت تبدو غير تقليدية. د. جيل، بشخصيتها القوية وتأثيرها الكبير على بايدن، قد تكون هي القوة الدافعة وراء قراره بالاستمرار في الساحة السياسية رغم كل الضغوط. ولكن عندما رأت الخذلان سابقًا بسبب تفضيل هيلاري كلينتون والآن كاميلا هاريس، ربما أوحت له أن يُذيقهم طعم الهزيمة بدعم مرشحة بشهادة كثير من الديمقراطيين أنها الأضعف والأقل كفاءة، وتم اختيارها لبايدن في البداية كنائب للرئيس (منظر)، وهي (لا تهش ولا تنش!) كما يقول المثل، ولكي تبقى إدارة بايدن تحت تأثير الثلاثي أوباما وكلينتون وبيلوسي! وهذا ما حدث بشكل عملي خلال السنوات الماضية!
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل كان اختيار هاريس جزءًا من استراتيجية انتقامية أم خطوة مدروسة لتحقيق أهداف سياسية أعمق؟ الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد عن هذه الديناميكيات المعقدة داخل الحزب الديمقراطي وتأثيرها على مستقبل السياسة الأميركية!
الآن نرجع للمرشح الفائز، وهو حسب رؤيتي دونالد ترامب، مهما تم شن حروب عليه. كتبت هذه العبارة سابقًا وأعيدها الآن: (ترامب سيكون إما الرئيس أو صانع الرئيس). وبما أنه حصل على ترشيح الحزب الجمهوري، فنتوقع فوزه. قد يحاول الإعلام اليساري تفخيم هاريس أو التطبيل لها ومحاربة ترامب كالعادة، لكن لا أعتقد أن الشعب مقتنع حاليًا بكلام اليسار الإعلامي. من الممكن أن نعطيك عدة أسباب قوية لفوز ترامب، لكن نعترف رغم كل الأسباب، بأن هذا حدس قوي يشبه الرؤية بفوز ترامب. من الممكن أن نكتب أسطرًا طويلة عن الأسباب التي ترجح ترامب، مثل الاقتصاد، الحمائية، وشعار "أميركا أولًا" الذي يطرب الناخب، إلى آخره… وحتى موقفه البطولي عند محاولة اغتياله. لكن كل هذا لا يعادل كونه شخصية استثنائية أميركية من خارج المؤسسة ومحاربًا لها، وهو قوي في تلقي الضربات والصبر عليها دون أن يستسلم!
وله قدرة خارقة على التحمل بشهادة الجميع!
وبالمناسبة، قابلت بعض الزملاء الأميركيين الذين هم ديمقراطيون للنخاع ومن ولايات ديمقراطية خالصة، وهذا معروف في طبقة الجامعات. تقريبًا الكل غير سعيد وغير راضٍ عن أداء الديمقراطيين في السنوات الماضية. هم يتحدثون في مجالسهم، قد لا يصوتون لترامب، لكن أيضًا لن يصوتوا للمرشح الديمقراطي!