إنَّ الحديث عن اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية ذو شجون؛ إذ لا بد أن يأخذنا في شعاب التاريخ، ولا بد أن نُدير دولاب الذاكرة نحو الوراء، إلى المنطلقات الأساسية والإرهاصات الأولية لتأسيس المملكة، والتعريج على الشخصيات المؤسسة والمؤازرة، وتسليط الضوء على الأحداث المفصلية، وتوضيح الأجواء الاجتماعية والسياسية السائدة في تلك الحقبة، وإبراز حجم العقبات التي وقفت في طريق النضال الوطني.
إن الدول العظيمة تقوم بقيام الرجال العظماء، وفي الأوقات المأزومة يظهر القادة الحكماء، فتلتفّ حولهم الشعوب المتعطشة إلى الوحدة والاستقرار والأمان والرخاء، وتهفو إليهم أفئدة المكلومين والمظلومين لانتشالهم من المستنقعات الآسنة للواقع المتردي إلى ضفاف حياة كريمة قوامها العيش الرغيد.
في أخطر مرحلة تاريخية عرفتها نجد، ظهر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (1876 – 1953م) مؤسس المملكة العربية السعودية، ذلك الشاب العشرينيّ الطموح الشجاع، إذ كانت المنطقة حينذاك خارجة من حقبة تاريخية داخلة في حقبة جديدة تختلف كل الاختلاف عما قبلها، فنهض هذا القائد الفذ لتنفيذ مشروعه الوطني المتمثل في تأسيس دولة متقدمة ذات سيادة وثقل إقليمي ودولي، فشكّلت رؤيته مفصلاً تاريخياً حساساً جداً، أحدث انحرافاً نهضوياً طموحاً لمسيرة آبائه أمراء الدرعية الذين حكموا في منتصف القرن الثامن عشر.
أهمية المشروع:
برز دور الملك في لمّ شتات المنطقة، وجمع شمل أهلها، وتوحيد أقاليمها، وضمّ ما تفرّق من بقاعها، حتى استتبّ الأمن وحصل الاستقرار وهدأت النفوس في سائر المنطقة التي بسط نفوذه عليها وأحكم سيطرته على أرجائها، والتي سميت "المملكة العربية السعودية"، فكان – بحقّ - الفارسَ المنقذ لجغرافية المنطقة من التمزّق والصراع والتناحر وتفسُّخ اللُّحمة الوطنية، وكانت نقطة التحول البارزة في مشروعه هي تغيير صورة شبه الجزيرة العربية في عيون الآخر، فقبل قيام الملك المؤسس كان العالم الغربي والعربي ينظر إلى أبناء هذه المنطقة على أنهم عبارة عن بُداة رُحّل منقطعين عن أسباب الحضارة، منعزلين عن العالم الخارجي كل الانعزال، ومتشرذمين هنا وهناك لا يجمعهم سوى روابط الأعراف القبلية، فبدأت هذه النظرة تنحرف نحو مسار إيجابي شيئاً فشيئاً، إلى أن صار العالم الآن ينظر إلى المملكة العربية السعودية نظرة ملؤها الاحترام والانبهار بالتقدم العمراني والتقاني الهائل، فقد وحّد الملك المنطقة تحت حكم يتميز بالتنوع الأيدولوجي.
إنّ حركة الملك المؤسس عبد العزيز مثلت رؤية مائزة لأعظم مشروع إستراتيجي للمنطقة منذ أيام الدولة الأموية ونقل عاصمة الخلافة إلى دمشق، وترحيل الثقل الدولي من شبه الجزيرة العربية إلى الشام، فأعاد للمنطقة هيبتها وثقلها السياسي بعد مرحلة طويلة كانت المملكة فيها مهملة دولياً وعربياً وإقليمياً، حتى إنها أهملت في كتب المؤرخين.
سياسة الملك المؤسس:
لم تكن حركة الملك المؤسس قائمة على العصبية القَبَليّة، بمعنى أنه لم يكن ينوي من وراء حركته إعلاء شأن قبيلته واحتكار السلطة لها، بل كان منصفاً عادلاً، وقف على مسافة واحدة من جميع القبائل في المنطقة، نابذاً التحيّز والتحزّب والعصبية القبلية، وكانت حركته مشروعاً وطنياً وحدوياً لا مشروعاً قَبَليّاً، إذ وضع نصب عينيه توحيد القبائل في الشمال وكذلك الجنوب، أو توحيد ما يمكن توحيده من هذه القبائل، بهدف إقامة دولة موحّدة حديثة مبنية على دعائم مشروعه السياسي، من أجل بناء حاضرة خليجية من أرقى الحواضر في العالم تدخل في بناء نسيج الوطن العربي، وتسهم في تحقيق الوحدة العربية، ذات الأهداف الواحدة.
إذن لم تكن رؤيته قبلية، ولم تحرّكه العصبية القبلية والتفاخر بالنسب، وإنما كانت رؤيته أوسع، وأنبل وأرفع، إنه مشبع بالحس الوطني والإحساس بالمسؤولية تجاه أبناء جلدته الذين غرقوا سنوات طويلة ومريرة في وُحول الجهل والحرمان والعزلة عن العالم، الفاقدين لمقومات الحضارة الإنسانية، وأيضاً فهو مفعم بالتوق إلى وحدة الصف، والتطلع إلى بناء دولة تضاهي أهم الدول في العالم رُقيّاً وعمراناً، ولولا هذه الدوافع الوطنية والوجدانية ما كان لمشروعه أن يتحقق، ولا كان ثمة دولة من أرقى دول العالم وأكثرها حضارة تدعى المملكة العربية السعودية، يُحسَب لها ألف حساب في موازين القوى الدولية؛ لأن القبلية مصيرها إلى زوال، والقبلية لا تصنع دولاً.
هذا، وقد سعى الملك إلى توطين البدو، وتنظيم العلاقات القائمة بين القبائل، وإنشاء مجتمع بدوي متماسك ثم إنشاء المجتمع المتمدّن المتحضّر؛ لأن الحضارة لا تقوم على الترحال، بل على الاستقرار، والاستقرار من أهم عوامل إقامة الدول وبناء العواصم، وهذا مؤشر جَلِيّ على وقوف الملك على حقيقة هذه النقطة الخطيرة، فمع الاستقرار يسهل التخلص من الآفات المجتمعية الكثيرة، كالأمّية والجهل والتخلف والفقر والمرض، بل ينتشر العلم، وتبنى المدارس والجامعات، وتقام المستشفيات والمراكز الصحية، فتنخفض نسبة الأمراض، وينتعش الاقتصاد، بمعنى أن الاستقرار ترافقه الأنشطة التعليمية والصحية والاقتصادية والخدمية والترفيهية، فمشروعة السياسي شجع على الاستقرار والعيش في الحواضر حيث سبل الدَّعَة والرّغَد في العيش، وهنا مكمن عبقرية الملك في سياسته مع القبائل، إذ اتبع سياسة التدرّج حتى ينجح في تحقيق حلمه، بعيداً عن التسرع؛ لأنه يعي أن من صفات القائد الناجح الاتزان والتدرّج، وفهم طبيعة المجتمع والتركيبة السكانية للشعب الذي يريد أن يقوده، وهذه النقطة كانت مهيَّأة له، فهو من أبناء القبائل الأصيلة الضاربة جذورها في تاريخ نجد، فكان على وعي مسبق ببنية العقل البدوي، وطريقة تفكير الإنسان البدوي، وهذا وفّر عليه الوقت والجهد معاً، ومن ثم عمل على إعادة التوزيع الجغرافي للقبائل بطريقة تخدم المشروع الوطني الذي يسعى إلى قيامه.
وتتجلى حكمته في أبهى صورها من خلال العمل على إحداث نوع من المطابقة بين الجغرافية الطبيعية والتاريخية والسياسية في آن معاً لتأسيس مملكة مترامية الأطراف، ومتناسقة الأوصاف.
ثم إنه أولى العلم أهمية بالغة، فبُعَيدَ إعلان قيام المملكة سنة (1319 هـ) توجه شطر قطاع التربية والتعليم، فلم يبنِ الدولة على العادات والتقاليد البالية، ولا على القوانين القبلية التقليدية، بل أسس دعائم دولته على أركان العلم والمعرفة، وتتجلى عنايته بقطاع التعليم ومحو الأمية ونشر الوعي في أنه من أوائل المؤتمرات التي عُقِدت بعد صدور الإعلان عن تأسيس المملكة كان مؤتمراً علمياً يتناول الواقع التعليمي، وليس مؤتمراً اقتصادياً ولا صحياً على سبيل المثال. فنظّم العمل التعليمي التربوي من خلال إنشاء مديرية المعارف ثم وزارة المعارف التي تعادل اليوم وزارة التربية والتعليم. وبدأ القطاع التعليمي في المملكة الحديثة العهد متواضعاً بسيطاً، بإمكانيات محدودة، حتى إن الطلاب كانوا يجلسون على الحصير، ولكن هذا لم يثنِ الملك عن إكمال مسيرته التنموية، حتى قطف ثمارها يانعةً.
إنَّ المتأمل في عنايته بقطاع التعليم يخرج بنتيجة مفادها أن سبب النهضة الحضارية للمملكة، والنجاح الملحوظ في سائر القطاعات من صحة واقتصاد وخدمات، هو الاهتمام بالتعليم، وما كان تركيز الملك على هذا القطاع إلا لأنه وعى أن العلم أساس كل نهضة، وهذا ملمح من ملامح عبقريته، فانتشرت المطابع الحديثة، ونشطت حركة البعثات العلمية فيما بعد، وتحسن الواقع التعليمي على مستوى البنية التحتية والفوقية.
ثم انتقل إلى تمكين القطاعات الأخرى، وشرع في بناء وزارات مختلفة تغطي جميع القطاعات والأنشطة، وتنظّم العمل الحكومي الرسمي.
لقد تهيّأت للملك بطانة صالحة من أولي الألباب، وذوي الخبرة والرؤى الجديدة، والآراء السديدة، ومن أهل الحل والعقد والشورى، يجمعهم قاسم مشترك أكبر هو الوفاء لوليّ الأمر، والطاعة والنصح له، والاصطفاف إلى جانبه، إذ جمع حوله نخبة جمعتهم آمال واحدة وأحلام مشتركة، التفوا حوله لتحقيقها، شاركت معه في جميع المفاوضات المهمة التي خاضتها المملكة مع أطراف كثيرة، وأسهموا في النهضة التنموية للمملكة، ووضع حجر الأساس للمشاريع الاقتصادية العملاقة، ونشر التعليم، والقضاء على الأمية، وحفّهم الملك بالتكريم والرعاية، وحظُوا عنده بحفاوة كبيرة.
ومن أبرز الشخصيات النخبوية هذه نذكر الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، الأخ الأصغر للملك عبد العزيز، غُرِي بالعلم والدراسة حتى لقّبه الملك عبد العزيز بـ "عالِم آل سعود وفقيههم"، فشغل منصب كبير مستشاري الملك عبد العزيز، وعُرف عنه حبُّه لاقتناء الكتب والمخطوطات النادرة، حتى جمع مكتبة ضخمة أهداها أبناؤه إلى جامعة الملك سعود. وأيضاً عبد الله سليمان الحمدان من عُنَيْزة في القَصِيم، زار الهند في صغره وتعلم في مدارسها، واتصف بالذكاء، وهو أشهر الوزراء في مرحلة التأسيس. والأمير أحمد بن إبراهيم بن عبد الله آل سعود، كان دبلوماسياً ورجل دولة محنكاً، تلقى تعليمه في إسطنبول وزار أوروبا.
ومن عبقرية الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- أنه أدخل في مشروعه التأسيسي بعض رجالات العلم والسياسة من الأشقاء العرب مثل يوسف ياسين من سورية، الذي عُيِّن مستشاراً للملك، وأصدر جريدة (أم القرى) الرسمية، ومنحه ثقة كبيرة إذ ولّاه وزيراً للخارجية بالنياية. ومن مصر نذكر حافظ وهبة، تعلم في الأزهر الشريف، وارتحل إلى تركيّا للعمل صحفياً، ثم رحل إلى الهند، وعرف بنشاطاته السياسية، وعيّنه الملك عبد العزيز وزيراً مفوضاً بلندن، ثم سفيراً للمملكة فيها. ومن فلسطين الصحفي المشهور رشدي مَلحَس، واضع تقويم أم القرى، أوكلت إليه مهام صحفية وسياسية وتربوية في المملكة. والطبيب العراقي عبد الله سعيد الدملوجي خريج الآستانة، والذي زار الكثير من عواصم أوروبا، وعرف أنماط حياتها، وشارك في السياسة الخارجية للمملكة من اتفاقيات ومفاوضات ومؤتمرات، وكان أول وكيل لوزارة الخارجية. ومن ليبيا خـالد القَرْقَني، الذي حظي بإعجاب الملك، فأوكل إليه مهام سياسية ضخمة، وعينه مستشاراً له.
جهود الملك المؤسس وقيمة مشروعه:
إنَّ الجهود الجليلة الواضحة التي بذلها الملك المؤسس ألقت بظلالها على منطقة الخليج العربي برُمّته، وعادت بالنفع على الوطن العربي كله أيضاً، فقد أنقذ المنطقة من ويلات الفقر والتشتت والضياع والتناحر القَبَليّ، وقضى على جميع مظاهر التخلف، حتى أوصلها إلى بر الأمان والحياة الهانئة والعيش الكريم. ولولا جهوده لكانت المملكة الآن مجموعة من الدويلات الصغيرة جغرافياً وإستراتيجياً، في حين أن العرب لا ينقصهم المزيد من التجزئة.
وتتضح قيمة المشروع النهضوي التاريخي الكبير الذي قام به الملك عبد العزيز في أنه حمل بذور نجاحه واستمراره في داخله، فما زالت البقعة الجغرافية التي وحّدها موحَّدةً حتى يومنا هذا، بخلاف بعض المشاريع الوحدوية في بعض الدول العربية كالوحدة بين سورية ومصر مثلاً التي تفككت بعد نحو ثلاث سنوات!
وبناء على ما سبق، فقد خدم مشروع الملك القضية القومية العربية جمعاء، خدم الوحدة العربية، والوطن العربي الذي يحلم بالوحدة، ويرفض التجزئة.
لقد اتصف الملك عبد العزيز بصفات القائد الكفء الفذّ، كان قياديّاً بارعاً لا يشق له غبار، حادّ الذكاء، عادلاً في حكمه، حكيماً في رأيه، متروّياً في قراراته، مناضلاً من الطراز الرفيع، بدأ من الصفر، مع قلة الوسيلة، وكثرة الصعاب، ركب كلَّ صعبٍ وذَلُول في مسيرته، في مرحلة زمنية حساسة، عاش العالم خلالها حربين عالميتين، ولكنه لم يجعل من بلده جسراً لتمرير أجندات خارجية تؤثر في وحدة بلاده ونهضتها، ولم يرتبط بقوى خارجية من شأنها أن تتحكم في مصير بلده وقراراته وسياسته، ظل صامداً حرّاً عصيّاً على المؤامرات، حذراً في تعامله مع القوى الخارجية الكبرى ذات الأطماع الخبيثة في المنطقة العربية عامة وشبه الجزيرة العربية خاصة.
لقد اتسم مشروع الملك المؤسس بالطابع الديني الإسلامي الصافي من شوائب التزمّت والتطرّف والخرافات والبدع المضللة التي تؤثر سلباً في عقول الناس وتفسد عقيدتهم، ومن ثم تعرقل النهضة الحضارية وعليه: يمكن إجمال مشروعه في توحيد البلاد، وإنشاء دولة راقية عصرية متمدّنة والانتقال من البداوة إلى الحضارة، فنجح في سياسته الداخلية والخارجية.
ولا تزال الثوابت التي أرسى دعائمها قائمة في المملكة حتى هذا الوقت، ومازالت ملامح سياسته ماثلة في السياسة السعودية الآن، كالموقف من القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقه، ومن الملامح أيضاً الاتزان والتوازن والتروّي في الجانب الدبلوماسي وإطلاق الأحكام، وتقديم المساعدات المالية والمعونات الإغاثية للأشقاء العرب.
ومن تداعيات مشروع الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه- حدوث نموّ أُسّيّ متسارع في البلاد، على مستوى جميع الأنشطة والقطاعات، بشهادة شهود عايشوا تلك المرحلة، ونتج من مشروعه حتى بعد وفاته ما يمكن أن نطلق عليه "نظام الأطوار المفاجئة"، إذ ما زالت المملكة كل حين تنتقل من طور إلى طور أحدث مما سبقه بطريقة تفاجئ الجماهير، فلم يبق خط التنمية يجري على إيقاع واحد رتيب مملّ، بل ينتقل عبر أطوار مدهشة تفاجئ وتُبهر.
وما أشبه اليوم بالأمس، فها هو اليوم ينهض شاب طموح بمشروع وطني تنموي عملاق، إنه الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد، وسليل المجد، والطامح إلى أفضل غد، وحفيد القادة العظماء، السائر على نهجهم، الصائن المجدّد للإرث الوطني الذي تركوه، المفعم بحماس الشباب وحكمة الشيوخ، ونستطيع القول، وبكل طمأنينة وثقة: إن القفزة الحضارية التي صنعها الأمير محمد بن سلمان كانت أعظم حدث تاريخي تشهده المملكة منذ تأسيسها بلا منازع إذ أطلق "رؤية 2030" التي تعدّ حملة وطنية استشرافية استثنائية لمجموعة من المشاريع والبنى في المملكة.
ومن أهم مشاريع هذه الرؤية محطة تحلية المياه المالحة وتشغيلها بالطاقة الشمسية، وتبلغ طاقتها الإنتاجية (5.200) متر مكعب يومياً، ومشروع مفاعل الأبحاث النووي منخفض الطاقة، للأغراض السلمية، لخدمة المشاريع الوطنية التي تقوم على أساس الطاقة الذرية، ومنها أيضاً بناء مركز تطوير هياكل الطائرات، ويعد أضخم مصنع بمنطقة الشرق الأوسط لصناعة أجسام الطائرات لتصنيع جميع أجسام الطائرات بمختلف الأحجام والتصاميم، وجميع من يعمل به من السعوديين، ومشروع المختبر المركزي للجينوم البشري السعودي الذي يوثق أول خريطة وراثية للمجتمع السعودي، ويكشف الطفرات المسببة للأمراض الوراثية، ومن شأنه إيجاد علاج للأمراض التي وقف الطب عاجزاً عنها، وأيضاً مشروع محطة تحلية المياه المالحة بالطاقة الشمسية، وهو من المشاريع الحيوية في المملكة، يعتمد فقط على الطاقة الشمسية لتوفير الأموال التي تكلفها الطاقات الأخرى. ومن المشاريع الهامة صناعة خط إنتاج الألواح والخلايا الشمسية، وهو مزوّد بمختبر لفحص موثوقية الألواح الشمسية، حاصل على متطلبات شهادة الآيزو 9001، وشهادات الهيئة الكهروفنية الدولية (IEC) المتعلقة بمطابقة المنتج للمعايير العالمية، ومشروع حاضنات ومسرعات برنامج (بادر)، وأقيم في كل من الدَّمّام والقَصِيم والمدينة المنورة، ومن ضمن هذه الخدمات التي يوفرها المشروع خدمات إدارية ومالية وتسويقية ومحاسبية، وقد ضمن المشروع (20) فرداً من رجال الأعمال للعمل فيه، وبالإضافة إلى الخدمات الإدارية، فإن المشروع يوفر تدريباً عملياً لرجال الأعمال من خلال محاضرات وندوات وورش عمل.
وحرص الأمير محمد بن سلمان على زيادة الاستثمارات في المملكة من خلال إنشائه لصندوق ضخم هو (صندوق الاستثمارات العامة)، مهمته تطوير المشاريع الضخمة للمشاركة في تحفيز اقتصاد المملكة، ومن المشاريع التي يشملها هذا الصندوق مشروع (أمالا)، ومشروع (نيوم).
ومما لا ريب فيه أن أكبر مشروع تنموي نهض به سمو الأمير هو مدينة نيوم (NEOM)، وهو أعظم إنجاز في ظل "رؤية 2030"، يهدف إلى تحويل المملكة إلى أنموذج تقني رائد عالمياً، إنه المشروع السعودي الاستثنائي الأضخم، فهو أول مدينة رأسمالية في العالم، تمتد بين ثلاث دول (السعودية والأردن ومصر) باستثمارات نصف تريليون دولار بدعم من صندوق الاستثمارات العامة.
ويعدّ موقعها الإستراتيجي محوراً يربط القارات الثلاث (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، إذ بإمكان 70 بالمئة من سكان العالم الوصول إلى الموقع خلال ثماني ساعات كحد أقصى، ومن المخطط أن تصبح إحدى أهم العواصم الاقتصادية والعلمية العالمية، ويركز مشروع نيوم على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة تشمل: مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة.
وتستمر مسيرة العطاء والتحديث التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في أوج نشاطها، في سباق حثيث مع المستقبل، ليس للحاق بركب الحضارة الحديثة، فقد تجاوزت المملكة هذه المرحلة منذ زمن، بل من أجل فَتْق آفاق مستقبلية جديدة لم تخطر ببال الدول من قبل، وطبع المستقبل السعودي بطابع وطني ذي أبعاد قومية عروبية وعالمية، من شأنها تحقيق النفع الإنساني العام.
وعليه، فاليوم الوطني السعودي مناسبة وطنية عظمى تحمل في مضامينها قيم الانتماء والوفاء والإخلاص والحب والعطاء، وتجسّد الشعور السعودي الصادق تجاه الوطن وسيد الوطن، وتنفتح على دلالات رمزية متكاثرة في الأبعاد الزمنية، وأقل ما يمكن قوله عن هذا اليوم هو أنه تتويج لمسيرة نضالية طويلة عبر مراحل تاريخية كثيرة ومعقدة متشعبة، ما فتئت تتقدم أشواطاً كبيرة في سباق الزمن، والقادم أجمل إن شاء الله.