في سابقة لم تحدث على الأراضي السورية منذ عملية تدمير المفاعل النووي السوري المعروف باسم "الكُبر" عام 2007 في مدينة دير الزور شرقي سوريا، والتي أطلقت عليها إسرائيل آنذاك عملية "البستان"، قام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية مركبة على منطقة مصياف في سوريا. تلك المنطقة الواقعة في وسط سوريا، وتبعد عن البحر الأبيض المتوسط حوالى 30 كيلومترًا فقط، وتحيط بها مجموعة من وسائط الدفاع الجوي، أهمها فوج صواريخ الدفاع الجوي "إس 200"، ومطار حماه الحربي، ومركز عمليات مشترك للقوى الجوية والدفاع الجوي، والذي تم تدميره جزئيًا قبل عشرة أيام من تنفيذ العملية. بالإضافة إلى عدد كبير من القطع العسكرية البرية الموكلة بحماية هذه المنطقة والمنشآت الموجودة فيها، وأهمها مركز البحوث العلمية وملحقاته المنتشرة من ريف حماه إلى ريف طرطوس.
كان التكتيك المتبع في هذه العملية كلاسيكيًا مع استخدام أحدث أنواع التكنولوجيا العسكرية المتمثلة في الطائرات المسيرة ووسائط التشويش الإلكتروني والأسلحة ذات الدقة العالية، كالصواريخ الموجهة من الحوامات والطائرات القاذفة، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في قطع الطرق المؤدية إلى المنطقة المستهدفة وتنفيذ ضربات مركزة على مستودعات الأسلحة الصاروخية المتطورة الإيرانية. بالإضافة إلى استهداف محيط المكان الرئيسي المستهدف، ناهيك عن التعامل الناري أثناء عملية الإنزال مع أي هدف مضيء، سواء كان شخصًا أو عربة متحركة.
بدأت العملية بتنفيذ إعماء إلكتروني لكافة محطات الاستطلاع والرادار في المنطقة، وتم استهداف كتيبتي صواريخ دفاع جوي قريبتين من منطقة اقتراب الطائرات المشتركة في العملية وخط سير دخول الطائرات المسيرة وحوامات الإنزال والدعم الناري، وهو البحر المتوسط، وبالتحديد فوق مدينة بانياس الساحلية. ومنها إلى منطقة العملية، حيث بدأ القصف المركز على أكثر من خمسة عشر هدفًا محددًا مسبقًا من خلال الطائرات القاذفة المتواجدة فوق البحر المتوسط، بالتزامن مع دخول طائرات مسيرة للاستطلاع وأخرى لتنفيذ قصف على أهداف محددة حول المكان الرئيسي المستهدف، وهو ما يعرف باسم "حير عباس"، وهو عبارة عن مجموعة من المستودعات التي تحوي صواريخ إيرانية مُطوَّرة، بالإضافة إلى مبنى بمواصفات خاصة يحوي الكثير من الوثائق المهمة المتعلقة بتطوير الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، بالإضافة إلى مكاتب لضباط الحرس الثوري الإيراني القائمين على تطوير هذه الأسلحة.
في هذه الأثناء، تسللت ثلاث حوامات إبرار أرضي للمنطقة، وبدأت اثنتان منها في الدعم الناري وقطع الطرق المؤدية إلى المكان المستهدف، بينما قامت الحوامة الثالثة بإنزال مجموعة من عناصر الكوماندوس الإسرائيلي حول البناء المستهدف، وتم الدخول إليه بسهولة، وتم قتل كافة حراس البناء وأسر أربعة ضباط إيرانيين، بالإضافة إلى الاستحواذ على عدد كبير من الوثائق والملفات الخاصَّة بعمل تلك المنشأة. واستمرت العملية حوالى ستين دقيقة، وشارك فيها، حسب المعلومات المسربة، حوالى ثمانين عنصرًا من قوات النخبة في القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: قراءة متأنية في الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران
من خلال هذه العملية المعقدة، والتي استهدفت أراضي دولة من المفترض أن جيشها مهمته حماية حدوده وأراضيه ومنشآته العسكرية، وعلى الأقل الاستراتيجية منها، نجد أنَّ حالة الضعف والوهن التي أصابت سوريا وجيشها في ظل حكم آل الأسد غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث. فالجيش الذي تغزوه قوة عسكرية في عقر داره دون أيّ مقاومة، يأخذنا إلى إحدى حالتين: الأولى، إمَّا أنَّ هذا الجيش أصبح من الضعف بحيث لم يعد قادرًا حتى على حماية نفسه في ظل الاختراقات المتكررة من قبل إسرائيل لأجوائه واستهداف أي نقطة من أراضيه دون رد. والحالة الثانية، أن هذه الاختراقات، وخاصة الأخيرة منها، حدثت بالتنسيق مع بشار الأسد ومخابراته والهدف منها تقليص الدور الإيراني في سوريا، وهذه الحالة أعتقد أنها الأرجح، خاصة إذا عدنا في ذاكرتنا القريبة إلى العملية التي نفذتها مخابرات الحرس الثوري الإيراني، وأدت إلى اعتقال مجموعة من الضباط العاملين في مراكز حساسة في القصر الرئاسي والحرس الجمهوري ومكتب الأمن الوطني مع المستشارة الإعلامية للأسد لونا الشبل، وتصفيتها مع عدد من الضباط المعتقلين.
إقرأ أيضاً: أميركا والصين وحرب الجيل الخامس
وهنا لا بدَّ من التأكيد، أيا تكن الأسباب، أنَّ النتيجة واحدة: سوريا لم تعد كما كانت، وجيش سوريا اتضح أنَّه تم تكوينه ليحمي الأسد وعائلته وحكمه. فالجيش الذي قتل شعبه بكل أنواع الأسلحة، خاصة السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة، وجلب قائده كل شذاذ الآفاق من ميليشيات طائفية إيرانية وعراقية ولبنانية ويمنية لقتل الشعب السوري، واستدعى ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم لتحميه، ليس مستغربًا عليه هذه الإهانات المتكررة التي يتعرض لها يوميًا من قبل إسرائيل وغيرها.