بعد أن طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير بإقالة وزير الدفاع يواف غالانت، بسبب رفض الأخير اقامة حكم عسكري في قطاع غزة، يبدو أن هناك نقطتين أساسيتين تتحكمان في مصير هذه الحرب، أولهما تتعلق ببناء توافق داخلي إسرائيلي حول التعامل مع مرحلة مابعد الحرب، وثانيهما السيناريو الذي يتيح القضاء فعلياً على حركة "حماس الإرهابية" في القطاع، وكلا السيناريوهين مرتبطان ببعضهما البعض.
ثمة نقطة أخرى لا يمكن تجنبها في هذا النقاش وهي رؤية الحليف الأمريكي بشأن "حماس الإرهابية"، والتي تنطلق من أن الحركة الإرهابية ستبقى بشكل أو بآخر في غزة في "اليوم التالي" للحرب، وبالتالي فإن الهدف الأهم هو العمل على إضعافها ودفعها نحو الهامش، وقد نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي منخرط بشكل كبير في الحوار مع الأمريكيين ووصفته بـ"الكبير" أن إدارة الرئيس بايدن توصلت إلى حقيقة مفادها أن حماس لن تختفي على الأرجح من القطاع، وأن الاتجاه الصحيح من وجهة نظر بايدن هو "حماس ضعيفة ومحشورة في الزاوية إلى جانب قوة فلسطينية بديلة قوية"، وأشار هذا المسؤول إلى أن هدف الولايات المتحدة هو إضعاف حماس بشدة وشل قدرتها على تنفيذ هجوم عسكري آخر مماثل لما حدث في 7 أكتوبر، لأنه بالأخير المضي وراء فكرة استئصال الحركة نهائيا هو نوع من الوهم وأن الولايات المتحدة على يقين من أن حماس ستبقى، بشكل أو بآخر، بالقطاع في اليوم التالي.
الرؤية الاستراتيجية الأمريكية قائمة على العمل ضمن مسارات عدة فبجانب شل قدرة "حماس" على العمل، يتم العمل على تعزيز علاقات دولة إسرائيل في محيطها العربي، والتركيز في ذلك على تطبيع العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية، وبناء تحالف اقليمي دفاعي تشارك فيه دولة إسرائيل، مع إصلاح السلطة الفلسطينية قبل منحها إدارة القطاع ضمن فترة انتقالية يتم خلالها إشراك قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية مشتركة لإدارة القطاع.
بلاشك أن إدارة الرئيس بايدن تنطلق في رؤيتها بشأن سيناريو القضاء على حماس الإرهابية من تجارب مشابهة في مواجهة التمرد والميليشيات الارهابية المسلحة خاضتها في العراق وأفغانستان والصومال، ولكنها لا تنطلق في حكمها من هذه الخبرة فقط، بل ترى نفسها، في الوقت ذاته، واقعة تحت ضغط الوقت ولا تريد للجيش الإسرائيلي مواصلة الحرب إلى أجل غير مسمى في ظل وجود احتمالية عالية للغاية لتأثر فرص إعادة انتخاب الرئيس بايدن لولاية رئاسية ثانية، فضلاً عن الضرر الاستراتيجي الذي يطال الولايات المتحدة جراء استمرار هذه الحرب.
الشواهد تقول إن النقاش حول مصير حرب غزة لا ينفصل عن مصير القطاع ذاته، لأن بناء رؤية واضحة لمسار الحرب والخطط العملياتية لا ينفصل عن تحديد أمور حيوية مثل استراتيجية إدارة الحرب ودور الجيش الإسرائيلي في مرحلة مابعد الحرب، ومن سيحكم غزة، وهنا نلاحظ أن الجيش يركز في كثير من عملياته على تمهيد الطرق وبناء محاور تتيح له السيطرة على القطاع من خلال تقسيمه إلى مناطق، وهذا كله يأتي خصماً من الهدف الرئيسي الخاص بملاحقة "حماس الإرهابية" الذي من المفترض القضاء عليها.
هذه النقاشات وضعت دولة إسرائيل في مربع والولايات المتحدة والدول العربية في مربع آخر، قد لا يكونا على النقيض تماماً، ولكن يمكن اعتبارهما موقفان متباعدان تماماً على الأقل في الوقت الراهن، والمعنى هنا أنه لا توجد دولة عربية مستعدة للظهور بمظهر الداعم او المساند للحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة مهما كانت كراهيتها لحماس ورفضها لسلوكيات وفكر الحركة الإرهابية ومرجعيتها الأيديولوجية وغير ذلك.
في هذا الإطار هناك تخوفات عربية مشروعة خشية أن تكون استراتيجية نتنياهو الحقيقية هي كسب الوقت وليس حل الأزمة، والقضاء على حركة حماس الإرهابية وقياداتها في الداخل والخارج، وذلك لأن ما يدور في غزة يحدث تداعيات عميقة في المجتمعات والشعوب العربية، وينذر بظهور أجيال جديدة من الإرهابيين والمتطرفين الذين يهددون مسيرة هذه الدول التي نجحت بالفعل في تحييد خطر التنظيمات الإرهابية خلال فترة ما قبل اندلاع حرب غزة.
إطالة أمد الحرب دون تحقيق نتائج واختراقات نوعية كبرى تترجم الأهداف الرئيسية مع غياب للرؤية الإسرائيلية العملياتية بشأن إدارة الحرب، يصبح موقف حركة "حماس الإرهابية" هو الأقوى، لأن كل يوم يمر مع بقاء زعيمها يحي السنوار حياً، واستمرار قدرتها على التهديد وإحداث المخاطر، يصب في مصلحتها ولو على الصعيد الدعائي والإعلامي والنفسي. وعلى ذلك يكون من المهم سرعة تحييد قدرات وقيادات حماس الإرهابية حتى يمكن العودة لإستكمال إتفاقيات التطبيع والسلام في المنطقة.