ودعت الكويت أميرها سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وسط أحزان تدفقت من عمق المودة الصادقة، التي ربطت بينه وبين مختلف أبناء الشعب الكويتي الذي يرى فيه نموذجاً فريداً في نزاهته، والتزامه القيم العالية التي جملت حياته ورسمت خطواته، ثم تحولت إلى عنوان يضيء مساره في كل التبدلات التي مرت به.
اقتربت منه كثيراً حيث كان وزيراً للداخلية عندما قام مجلس التعاون، وكانت لقاءات وزراء الداخلية تعقد سنوياً وأولوياتها ربط الأجهزة الخليجية في مسار يضمن تبادلية المعلومات وتوحيد المواقف والحفاظ على الأمن والاستقرار في الدول الأعضاء، ومواجهة الإرهاب جماعياً.
كان الشيخ نواف الأحمد متجاوباً مع هذه التوجهات، منسجماً مع المداولات وساعياً إلى المزيد من التعاون في تبادل المعلومات وتبني المواقف الموحدة، وراغباً بقوة في التواصل لكشف تآمرات جبهات الإرهاب.
كانت الساحة الخليجية هدفاً للتطرف العربي لاسيما مع توقيع مصر اتفاقية السلام مع اسرائيل، وانقسام العالم العربي وارتفاع موجات التطرف الحزبي وتجمعات الجبهات الفدائية.
سارت ملفات وزراء الداخلية تستدعي المزيد من الحذر، والمزيد من تبادلية المعلومات مع ارتفاع مخاوف الجبهات السياسية العربية المختلفة من انسحاب الخليج من اهتماماتها.
ومن هذه المخاوف، ومع تعالي المخاطر، خرجت فكرة اتفاقية أمنية تنظم التعاون بين الدول الأعضاء، وتحولت إلى مشروع للمواجهة الجماعية لمخاطر الإرهاب، والتهريب والجرائم بأنواعها، وأبدى سموه كوزير لداخلية الكويت ملاحظات، داعياً لإعادة النظر حولها، لكن الأعضاء الآخرين حافظوا على نصوصها دون تبديل، الأمر الذي جعل الكويت تعتذر وتحولت إلى اتفاقيات ثنائية بين الدول الموافقة.
عالج الشيخ نواف هذا التباين بهدوء وبتقدير لمواقف الآخرين، مدركاً بأن ملاحظات الكويت لا تؤثر على قواعد التعاون الأمني ولا تضعف التفاعل الأمني الجماعي الخليجي، وظل على تحفظه المتميز بعلو قيم التحاور محصناً بآليات الأدب الجم الذي ظل عنواناً له طوال حياته.
كنت كأمين عام أتفهم ملاحظاته التي لم تمس الترابط الأمني الجماعي، مع نفوره من الجدل وابتعاده عن حدة المفردات.
خرج من الداخلية إلى الدفاع ورأيته كوزير للدفاع في ليلة الغزو مأخوذا من قسوة المفاجأة.
وتولى مسؤولية الحكم بعد وفاة الشيخ صباح الأحمد، وسط ترحيب من شعب الكويت مقدراً علو خلقه ولمعان نزاهته وسلامة قيمه وبشاشة الروح التي تتسيده..
رحمه الله، فقد جاء قضاء الله ولا راد لقضائه، لينتقل إلى رحمة الله، ويدون ملحمة أخلاقية استوطنت تاريخ الكويت.
عبدالعزيز البابطين.. سحر الشعر وسخاء الثقافة
انتقل إلى رحمة الله يوم الجمعة 15 ديسمبر الحالي، راعي الثقافة، وعاشق الشعر السيد عبدالعزيز البابطين، جاءت وفاته صدمة لكل من يعرفه، فقد زرته في ديوانه قبل ثلاثة أسابيع ليخبرني بأنه سيذهب إلى القاهرة في آخر ديسمبر لحضور منتدى ثقافة السلام العادل، والحقيقة أن ندوة القاهرة هي تعبير دقيق عن الأهداف التي كانت تشغله في تعميق التآلف بين الشعوب، وتأكيد الترابط الانساني، واختار صيغة الندوات المتنقلة بين العواصم لتعميق هذه الألفة الانسانية التي تشغله.
كان المرحوم عبدالعزيز البابطين عاشقاً للشعر مؤمناً بدور الثقافة في الترابط الانساني، كرس جهوده وحياته لهذا الهدف الانساني الكبير، كان يحب الكويت مولعاً بأنوارها الأخلاقية في الانفتاح وفي احترام حقوق الانسان وفي الوفاء للسلام وفي التعاون بين الشعوب.
ذهبت معه في القاهرة، إلى مسكن الطلبة الذين يدرسون من سخائه، فتعجبت من الأعداد الضخمة التي كان معظمها يحمل رسالة فيها تمنيات بزيادة المنحة وغيرها من تسهيلات، وغير ذلك، طلاب يدرسون في الأزهر وعلماء من الأزهر في دول اسلامية، وفوق ذلك زيارات إلى عواصم العالم، من أجل ترسيخ التناغم بين الشعوب.
ذهبت معه إلى أكسفورد وهولندا والمغرب ومصر، يؤكد من خلالها، مكانة الكويت في الثقافة الانسانية، وينشر من خلالها أشعار العرب وثقافتهم..
كان هدفه بناء الألفة الانسانية ووسيلتها الثقافة، ولغتها المحبة، ومسعاها تطعيم الأسرة العالمية بثمار السلام.
رحمه الله، فقد انضم إلى موكب الندرة في سخائه وفي عطائه الانساني.. اختاره الله لينضم إلى موكب الصالحين في جنات الخلود.