بعد إعلان الهيئة الوطنية المصرية للانتخابات فوز الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية جديدة للمرة الثالثة على التوالي، تواجه مصر تحديات اقتصادية وإقليمية عدة.
قال الرئيس السيسي في خطاب عقب فوزه بولاية ثالثة إنه يدرك حجم التحديات التي تواجه بلاده، والتي يأتي في مقدمتها الحرب في غزة على الحدود الشرقية لمصر والتي تؤثر على الأمن القومي للجمهورية، وأضاف أن المواطن المصري كان في واجهة التحديات الأخرى أيضاً منها مكافحة الإرهاب، والإصلاح الاقتصادي وآثاره، بحسب السيسي.
كما أن من أبرز التحديات التي تواجه الرئيس السيسي في الولاية الثالثة هي الوضع الاقتصادي المُتأزم: إذا بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر نحو 164.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2023، وفقا للبنك المركزي المصري.
علاوة على ذلك، سجل معدل التضخم السنوي، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مصر رقماً قياسياً جديداً بعدما قفز إلى 40.3 في المئة في سبتمبر/أيلول الماضي، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.
وصاحب هذا التضخم ارتفاع في أسعار الطعام والمشروبات والسلع الأساسية، ومن ضمنها الأرز والزيت والدقيق.
لكن، هذه الأزمة الاقتصادية ليست وليدة اليوم، فقد عانت مصر خلال السنوات الأخيرة وضعاً اقتصادياً متردياً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة الحبوب، والصراع في ليبيا، والحرب في السودان، بالإضافة إلى جائحة كورونا.
وصرّح سابقاً وزير المالية المصري محمد معيط بأن الدين العام انخفض إلى 80 في المئة في العام 2020، حتى انتشر وباء كورونا وتراجع اقتصاد دول العالم وبدأت الحكومات في ضخ أموال لدعم مواطنيها، إلا أن مصر استمرت في العمل على مشروعاتها الكبيرة بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
هل ستيم تخفيض سعر الجنيه المصري مجدداً؟
على أثر الأزمة الاقتصادية هذه، انخفض الجنيه المصري لأدنى مستوى له على الإطلاق أمام الدولار.
فقد خفضت مصر سعر صرف الجنيه العام الماضي ثلاث مرات، ليستقر سعر الدولار الواحد في السوق الرسمية عند 30.9 جنيهاً.
لكن، هل ستضطر الحكومة المصرية إلى تعويم سعر صرف الجنيه مقابل الدولار مجدداً؟
أجاب على هذا السؤال، الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، قائلاً: "بلا جدال وبلا نقاش، سيتم خفض سعر الجنيه"، امتثالاً لشروط صندوق النقد الدولي.
وفي نهاية عام 2022، وقعت مصر اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، حصلت منه على الدفعة الأولى بقيمة 347 مليون دولار تقريباً، على أن تحصل على باقي القيمة مقسمة على دفعة جديدة كل ثلاثة أشهر، بناءً على مراجعات وإصلاحات اقتصادية اتُفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
وكان من المفترض أن تحصل مصر على شريحتين من القرض بقيمة 700 مليون دولار، لكن المراجعات لم تتم.
ويرى الدكتور رشاد عبده أن 347 مليون دولار، "هو مبلغ مالي ضئيل جداً و ليس كافياً لدولة بحجم عدد سكان مصر".
وأضاف: "وضع الصندوق شروطاً قاسيةً جداً من ضمنها، تعويم العملة ووضع سعر صرف حر ومتطلبات كثيرة، كان في مقدمتها بيع الفنادق والبنوك والشركات التي تمتلكها مصر".
ويكشف الدكتوررشاد عبده أن الحل لهذه الأزمة الاقتصادية هو جذب المستثمرين الأجانب من خلال تحديد سعر صرف موحد للدولار، حيث أن "المستشثمرين يعزفون عن الاستثمار في مصر بسبب عدم وجود سعر صرف موحد للدولار".
ووفقاً لعبده، فعندما تستثمر رؤوس الأموال في مصر، تجد أكثر من سعر صرف واحد للدولار في البنك وفي السوق الموازية، كل ذلك بالإضافة إلى السعر المستقبلي، وسعر دولار الذهب، ودولار المواد الغذائية.
كما حث الخبير الاقتصادي على زيادة الإنتاج وتقليل الاستيراد وتوسيع الاعتماد على السياحة كمصدر للدخل.
خبراء يشبهون استجابة مصر لصندوق النقد بتحرير سعر الصرف "بالانتحار"
الأوضاع في الدول المجاورة: غزة وليبيا والسودان
في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها مصر، جاءت حرب غزة لتضيف تحدياً إقليمياً للبلاد.
فبعد الهجوم المباغت الذي شنته كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس على إسرائيل أصبحت مصر، التي تشارك قطاع غزة وإسرائيل حدوداً، تقف في وسط حرب إقليمية.
إذ قالت صحف غربية ومن بينها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن إسرائيل حشدت دعماً دولياً في بداية الحرب، للضغط على مصر "بهدوء" لاستقبال أعداد كبيرة من مئات الآلاف من المدنيين من غزة إلى مصر، بحسب ستة دبلوماسيين رفيعي المستوى.
وأضافت الصحيفة، أن هذا المقترح قُوبل بالرفض، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، خوفاً من أن يكون هذا بمثابة "نزوح جماعي دائم".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكد على موقف مصر - مراراً وتكراراً - الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، معتبراً أن ذلك لن يكون إلا "تصفية نهائية للقضية الفلسطينية".
كما نفى وزير الخارجية المصري، سامح شكري وجود ضغوط إسرائيلية وأميركية على بلاده لقبول تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها مقابل إسقاط ديونها.
وليست حرب غزة وحدها التي تشكل تحدياً إقليمياً لمصر، إذ يقول الخبير الاستراتيجي المصري، العميد سمير راغب، "إن جميع الجبهات (الحدودية) مشتعلة حول مصر، فليبيا غير مستقرة بسبب وجود ميليشيات وصراع على السلطة، والسودان يشهد حالة من الاحتراب غيرمسبوقة بين مكونين في الأصل عسكريين وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
ويتابع راغب بالقول: "كلما زاد عدم الاستقرار، تزداد فرصة التكدس على الحدود"، ما يرى الخبير أنه يضع مصر بشكل دائم في مواجهة النزوح والتهجير القسري، وخصوصاً أن مصر استضافت أعداداً كبيرةً من اللاجئين من السودان وسوريا واليمن والعراق، بحسب الخبير راغب.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً من حيث النزوح في مصر، تليها الجنسية السورية، ثم بنسب أقل من مواطني جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، بحسب إحصاء المفوضية حتى أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.
تهديدات الملاحة في البحر الأحمر
ومع تنامي التصعيد في غزة، بدأت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن باستهداف سفن متجهة إلى إسرائيل في مضيق باب المندب، قبالة السواحل اليمنية في البحرالأحمر.
ومنذ يومين قالت قناة القاهرة الإخبارية المصرية – شبه الرسمية – إن الدفاعات الجوية المصرية تعاملت مع "جسم غريب" دخل إلى الأجواء المصرية، حيث تم إسقاطه قبالة مدينة ذهب السياحية الواقعة على ساحل البحرالأحمر.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي سقطت طائراتان مسيرتان في البحر الأحمر في مدينة طابا السياحية بسيناء، بالقرب من الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.
ويرى الخبير الاستراتيجي، العميد سمير راغب أن "تهديدات الملاحة في باب المندب تؤثر بشكل مباشر على أحد مصادر الدخل القومي المصري، وهو قناة السويس".
وتابع : "على الرغم من أن الحوثيين يستهدفون إسرائيل، إلا أن ذلك يؤثر على الملاحة العالمية وعلى مصر"، حيث إن المسيرات التي يطلقها الحوثيون تمر في نقاط سياحية مصرية.
وأضاف قائلاً: "إن الطائرات المسيرة التي استقطها الدفاع الجوي المصري، كانت على بعد 1.5 كيلومتر داخل المياه الإقليمية المصرية في مدينة من أكبر المدن السياحية"، منوهاً أن السفن التي تتجه إلى ميناء إيلات (جنوب إسرائيل) لا تمر بقناة السويس.
إلا أن راغب يقول إن شركات التأمين بدأت في رفع رسوم التأمين على السفن بعد هذه الحوادث، الأمر الذي دفع العديد من السفن إلى تغيير مسارها.
وكان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع قد أعلن أمس عن "تحول 55 سفينة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر/تشرين الثاني، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة خلال تلك الفترة".
وأضاف ربيع أن حركة الملاحة بالقناة منتظمة، وأن المسؤلين بقناة السويس يتابعون عن كثب التوترات الجارية في البحر الأحمر.
ويرى الدكتور رشاد عبده أن "هذه الحوادث لن يكون لها تأثير اقتصادي" على دخل قناة السويس، موضحاً أن "السفن التي عبرت في رأس الرجاء الصالح تحتاج أشهراً للوصول لواجهتها"، كما أن هناك قوى إقليمية أخرى تحمي هذه المنطقة الاستراتيجية، بحسب العميد.
وهذه هي ثالث ولاية رئاسية للسيسي، فهو في سدة الحكم منذ عام 2014، إذ كانت الولاية الأولى بين عامي 2014 و2018، والثانية بين عامي 2018 و2024، في حين ستستمر الولاية الثالثة حتى عام 2030، في وقت تمر فيه البلاد بشكل خاص والمنطقة بشكل عام بأزمات مختلفة وتحديات عديدة في مجالات الاقتصاد والأمن والسياسة وغيرها.