لندن: كشفت بريطانيا الخميس النقاب عن ميزانية تقشف تقوم على زيادة الضرائب وخفض الإنفاق بقيمة 55 مليار جنيه استرليني (65 مليار دولار)، بينما أكدت أن اقتصادها دخل في حالة ركود.
وأكد وزير المال البريطاني جيريمي هانت أثناء عرضه الموازنة على البرلمان أن الإجراءات الصعبة ضرورية من أجل تحقيق الاستقرار المالي بعد الاضطرابات الأخيرة، مشدداً على أنها ستخفف من حدة التباطؤ الذي تشهده البلاد.
وأطلق هانت حقبة جديدة من التقشّف بعد الفترة الكارثية القصيرة التي قضتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في السلطة، وغداة نشر البيانات الرسمية التي أظهرت ارتفاع التضخّم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوياته في 41 عاماً فوق 11 في المئة.
حالة ركود
وقال وزير المال للبرلمان الخميس إنّ مكتب مسؤولية الميزانية اعتبر "أنّ المملكة المتحدة، مثل البلدان الأخرى، هي الآن في حالة ركود".
ورغم التباطؤ الاقتصادي، يشدّد هانت ورئيس الوزراء ريشي سوناك على الحاجة إلى خطوات متشددة بعدما أطلقت رئيسة الوزراء السابقة سلسلة إجراءات لخفض الضرائب أحدثت حالة هلع في أسواق المال.
الجنيه الاسترليني
وانخفض الجنيه الاسترليني بنسبة 1 في المئة مقابل الدولار بعد الكشف عن ميزانية التقشّف في المملكة المتحدة. وكان قد سجّل مستوى قياسياً منخفضاً مقابل الدولار في أواخر أيلول/سبتمبر، بعدما فشلت ليز تراس في الكشف عن تأثير التخفيضات الضريبية على النمو والتضخّم.
وحذر المحلّل لدى "بانثيون ماكروايكونوميكس" سامويل تومبس من أنّ الميزانية الجديدة تخاطر بـ"تضخيم الركود الجاري بالفعل".
ويأتي ذلك فيما لفت وزير المال إلى أنّ إجمالي الناتج الداخلي البريطاني سيتراجع بنسبة 1,4 في المئة إضافية في العام 2023.
وحذر بنك انكلترا، الذي يرفع معدّل الفائدة لمكافحة التضخّم المرتفع، من أنّ الاقتصاد البريطاني قد يواجه ركوداً قياسياً طويلاً حتى منتصف العام 2024.
الزيادة الضريبية
ورغم التوقّعات القاتمة، أعلن هانت الخميس الزيادات الضريبية للعمال إلى جانب تخفيضات الإنفاق.
مع ذلك، تعهّد بزيادة الإنفاق على خدمة الصحّة الوطنية وسط التأخير الحاد في إجراء العمليات للمرضى.
وأضاف وزير المال أنّ التقديمات للعاطلين عن العمل والمتقاعدين سترتفع إلى مستوى قريب من معدّل التضخّم، بينما سيرتفع الحدّ الأدنى للأجور.
كذلك، أشار هانت إلى ضريبة على عمالقة النفط والغاز، الذين ارتفعت أرباحهم بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، وذلك للمساعدة في تمويل الدعم للمستهلكين الأكثر فقراً والذين يواجهون فواتير طاقة مرتفعة.
وفي هذا السياق، سيواجه عمالقة الطاقة مثل "بي بي" و"شيل" ضرائب استثنائية على الأرباح من 25 إلى 35 في المئة، وسيجري تمديدها إلى العام 2028.
وستفرض الحكومة ضريبة مؤقتة على شركات توليد الطاقة.
ساعد الصراع في أوكرانيا على دفع التضخّم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عقود. كما ارتفعت الأسعار بسبب قيود العرض التي غذّتها جائحة كوفيد.
وكرّر حاكم بنك انكلترا اندرو بايلي الأربعاء تأكيده أن الاقتصاد البريطاني قد تأثّر أيضاً بخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
خلال نهاية الأسبوع، شبّه هانت نفسه بـ"سكروج"، إحدى الشخصيات المعروفة بالبُخل في رواية لتشارلز ديكنز، ولكنه اكد أنّ خطّته "ستحرص على أن لا تُلغى (احتفالات) عيد الميلاد".
وقال أمام البرلمان الخميس "في مواجهة رياح عالمية معاكسة، تشعر العائلات والمتقاعدون، والأعمال والمدرّسون والممرّضات وغيرهم كثيرون بالقلق بشأن المستقبل".
وأضاف "لذا اليوم نقدّم خطة لمعالجة أزمة كلفة المعيشة وإعادة بناء اقتصادنا".
ويأتي ذلك فيما نفذ العمّال البريطانيون في قطاعات مختلفة إضرابات هذه السنة، للمطالبة بزيادة الأجور للتعويض عن ارتفاع التضخّم.
وفي هذه الأثناء، شرع هانت في عكس ميزانية تراس التي تعرّضت لانتقادات شديدة، وذلك من خلال الحدّ من تجميد فواتير الوقود المحلية، والتي ارتفعت إلى حدّ كبير بسبب غزو أوكرانيا، من قبل روسيا المنتج الرئيسي للطاقة.
وأعلنت الحكومة الخميس أنّ سقف متوسّط فواتير الوقود المنزلية السنوية سيرتفع بمقدار الخمس إلى 3000 جنيه استرليني.
وانتقدت راشيل ريفز المتحدثة الاقتصادية باسم حزب العمال المعارض الميزانية التي جرى الكشف عنها. وقالت "لقد حطّم المحافظون اقتصادنا، تخلّوا عن النمو ودفعوا التضخّم إلى أعلى مستوياته"، مضيفة "كالعادة، فإنّ العاملين العاديين هم الذين يدفعون الثمن".