إيلاف: احتفى منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون في الدمام بتكريم الكاتب الراحل عبد الرحمن الوابلي (1958- 2016) وسط حضور غفير من الوسط الثقافي والفني والإعلامي والشخصيات الاجتماعية، وحضور عقيلة الراحل وأفراد أسرته، وذلك مساء يوم الثلاثاء 11 أبريل 2017، والتي استضافت حفل التكريم تقديرًا ووفاءً للعطاء الجمّ الذي قدمه الوابلي للساحة الثقافية والفنية.
شاركت في هذا الاحتفاء الذي أداره عاطف الغانم، ثلة من قامات العمل الثقافي ضمت كلًا من الأستاذ جعفر الشايب وعبد الله الوابلي وعبد السلام الوايل، والفنان ناصر القصبي ومنسي حسون والشاعر السيد هاشم الشخص والإعلامي والكاتب ميرزا الخويلدي. كما تخلل الحفل فيلم تصويري لمقاطع من لقاءات ومقابلات مع المحتفى به متحدثًا فيها عن بعض أفكاره وأرائه التي كشفت عن غزارة عقله ووافر ثقافته.
وعي ضد الإقصاء
تحدث راعي منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف جعفر الشايب قائلًا إننا نحتفي اليوم بمثقف تنويري تفاعل مع قضايا مجتمعه الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية مجسدًا في مسيرته قيمًا إنسانية ومواقف ثابتة، موظفًا ما يمتلك من أدوات في تنمية الوعي الوطني والاجتماعي لمواجهة الفكر الظلامي واتجاهات التطرف عبر طرح أفكار تميزت بالبساطة في العرض والعمق في المضمون أسهمت في تشكيل وعي نقدي وبناء ضد مختلف أشكال الممارسات الإقصائية.
من جهة أخرى اعتبر الشايب الاحتفاء بالراحل الكبير واجبًا أدبيًا يتسق مع أهداف المنتدى في الاحتفاء بالشخصيات الوطنية وطرح تجاربها المضيئة، والمساهمة في تجسير العلاقة بين النخب الثقافية والاجتماعية وفتح مجال الحوار حول قضايا فكرية واجتماعية بما يعزز وعي المجتمع من منظور وطني، شاكرًا الحضور وعائلة الراحل الوابلي على جميل مشاركتهم.
جانب من الحضور |
اعتلى المنصة بعد ذلك عبد الله الوابلي، أخ المحتفى به والرئيس السابق للجمعيات السعودية التعاونية، وتحدث عن قربه من أخيه الراحل عمرًا وفكرًا، حيث أورد بعضًا من قصص الطفولة التي قرأ من خلالها شخصية الراحل التي اتسمت منذ صباه بالصدق ومحبة الناس ومساعدة ذوي الحاجة.
رؤى الوحدة والإنسانية
كما أشار إلى أن مسيرته الدراسية داخل وخارج الوطن، ومن خلال تداخله مع طلبة من خارج بيئته كشفت من وقت مبكر عمق الانسجام الاجتماعي لديه وتجاوز الفوارق المصطنعة بين الأطياف في شخصيته، وفي كلمة أخيرة معبّرة قال: "كان مبتسمًا دائمًا رغم ما كان يعانيه من آلام".
الكلمة الآتية كانت لعبد السلام الوايل أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، حيث تحدث عن دور المثقف في المجتمع، واصفًا الراحل الوابلي بأنه من القلائل الذين انطبق عليهم مصطلح "المثقف العضوي"، الذي نظر إليه الفيلسوف الإيطالي غرامشي، حيث تجلى ذلك في اهتماماته الاجتماعية وكتاباته. فمشاركته حلقات "طاش ما طاش" تركزت على هم الوحدة الوطنية ومنطلقاتها الإنسانية، كما تناولت قضايا المرأة التي سببت له بعض اللغط الاجتماعي بسبب الفهم السطحي والموروث المنغلق، ولكنه لم يتأثر بها لوضوح الرؤية ونضوج الفكرة لديه.
كما تطرق الدكتور عبد السلام إلى تحلي الراحل الوابلي بالصدق والعدالة، لأنه تناول بالنقد بعض التوجهات الليبرالية، رغم أنه يعتبر من حزبها، ووصف حضوره الصحافي والدرامي بأنه تجسيد حقيقي لتحمل المسؤولية الاجتماعية.
الصديق المقرب من الراحل الوابلي الناشط الاجتماعي المهندس منسي حسون تحدث عن علاقته بالدكتور الوابلي واصفًا إياها بالفرادة، لأنها تعمقت بشكل تدريجي بسبب القيمة الفكرية العالية في الحوار بينهما، وكذلك لما تتمتع به هذه الشخصية من وطنية تجاوزت الحدود المناطقية والعرقية، واصفًا وطنيته "بالخيالية.
تتبع ومعالجة
أضاف إن اشتهاره بكاتب دراما من خلال حلقات "طاش ما طاش" هو تحجيم لشخصيته، فقد كان أكبر من ذلك، حيث كان يتتبع معاناة الناس ويتفاعل معها بشكل لافت، كما يسعى إلى معالجتها فكريًا وعمليًا من منطلق تفكير حر يحمل هم المسؤولية الاجتماعية.
من جهة أخرى تحدث عن جانب الإعداد الجيد لمقالاته واستيعاب المعلومات والحقائق التي يتطلبها موضوع المقال، ويأنس كثيرًا بالملاحظات الناقدة لما يطرح، معتبرًا إياها مصدر تصويب، مشيدًا بإخلاصه وبعده عن العمل من أجل الشهرة، مع ما أتيح له من فرص كثيرة.
ثم ارتقى المنصة الشاعر السيد هاشم الشخص بقصيدة رثاء بعنوان "فقيد المجد"، وألقى الكاتب ميرزا الخويلدي مدير صحيفة الشرق الأوسط في المنطقة الشرقية كلمة استهلها بالقول: "لم يترك لنا عبد الرحمن الوابلي لونًا رماديًا نتجادل فيه، كان منحازًا بالكلية والمطلق إلى قيم العدالة والحرية والمواطنة والإصلاح والحداثة"، متطرقًا إلى مفهوم المثقف للمفكر الفرنسي باسكال بونيفاس بأن المثقفين يحملون مسؤولية أعلى من غيرهم، وأن هناك "مثقفين مزيفين"، إما لأنهم يمارسون تضليلًا متعمدًا أو لأنهم يقتاتون على مبادئهم وهم الأسوأ.
مفكك عقد شجاع
وعبّر عن القيمة الثقافية للراحل الوابلي بأنه لم يكن مثل الكثير من المثقفين، الذين أصبحوا جزءًا من المشكلة يثيرون الهزيمة ويدعون إلى العصبية ويتعاملون بفوقية، ومع منتجات الحضارة بسطحية، قائلًا إن الراحل كان في ذروة الاشتباك الثقافي مبادرًا إلى تفكيك العقد قبل أن تتحول إلى أزمات، وكان دوره طليعيًا في تطوير أدوات الحوار والتفكير المنطقي، واصفًا الراحل بالرجل الشجاع والنادر، لأنه اشتغل بقناعة وضمير على مشاريع ثقافية وفكرية، همّها الأكبر أن تعبر فوق الانقسامات وتنظر بميزان واحد إلى المجتمع البشري.
وكانت الكلمة الختامية للفنان الكبير ناصر القصبي، الذي تحدث في كلمة مسجلة عن تجربته مع الدكتور الوابلي في العمل الدرامي مستهلًا حديثه بأن "الدراما السعودية خسرت برحيله فارسًا خلاقًا"، ومع قصر المدة التي تعاون فيها معه، إلاّ أن بصمته عميقة ومؤثرة، كما أسف لأنه رحل، ولم ير تجربته في حلقات "العاصوف".
كلمة مسجلة شارك فيها الفنان ناصر القصبي ممتدحًا الراحل المكرم |
درع تكريم
الفنان القصبي أشار إلى أمرين لافتين في شخصية الدكتور الوابلي هما تفانيه في العمل، واصفًا إياه بالعجيب، والآخر شجاعته في تناول ما تعد خطوط حمراء، قائلًا إنه درامي مختلف. وامتدح الفنان القصبي صفات عدة في الراحل قائلًا إنه "مناضل حقيقي يتمتع بصلابة صادقة، وفي الوقت نفسه هو بسيط لدرجة أنك لا تشعر بوجوده مع عمق فضائه الفكري، وكان يجمع بين العمل الدؤوب وإنكار الذات، وصفه الكثيرون بالمرونة، وأنا أصفه بأنه أكثر من مرن، لأن ما كان يريحه إلا أن يكون العمل متفقًا عليه ومتقنًا، لقد كان فقده خسارة ليس للدراما فقط، بل خسارة للصحافة والباحثين، وخسارة للوطن كله".
وفي ختام الحفل جرى تقديم درع المنتدى التذكاري إلى أسرة الراحل الكبير الدكتور عبد الرحمن الوابلي، والذي استلمه ابنه الأكبر جهاد.