إلياس عطالله، القيادي الشيوعي السابق الذي قاد "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" في ثمانينات القرن الماضي، اختصر خمسة عقود من دهاليز السياسة اللبنانية في “مذكرات الوصية" مع الإعلامي الكبير غسان شربل في الزميلة "الشرق الأوسط"، بقوله: "أحاول أن أستعرض الماضي، لأنني أتمنى ألا تتكرر هذه التجربة مع أحد. وكي أظهر حقيقة المقاومة الوطنية وفشل المقاومات التي كانت مشاريع سياسية ولم تكن مقاومة وطنية لديها مشروع واحد هو أن تحرر الأرض وتسلمها للدولة.. المقاومة لم تعد مهمة، بل أصبحت مهنة".
كان على رئيس الحكومة نواف سلام أن يدرك هذه المعادلة، وأنه كقاضٍ سابق لا يملك مطرقة تدوي في محاكم المؤسسات المبنية على مبدأ المحاصصة الطائفية، وأن السياسة مهنة وحرفة في وطن تتقاذفه رياح التناقضات والمصالح واقتناص المناسبات.
نظرياً، مصيب نواف سلام في ترسيخ سلطة الدولة، غير أنه كان حرياً بدولة "القاضي" أن يلم بتفاصيل القضية اللبنانية وتشعباتها قبل النطق بقرار منع إضاءة الأماكن التراثية بشعارات سياسية.. ولو بالقوة. أيستحق الأمر ركوب أعلى أمواج التحدي؟!
يمكن اعتبار أن دولة المؤسسات لم تتمكن من مواكبة رؤية نواف سلام وربما عزيمته في منع مناصري الثنائي الشيعي من إضاءة صخرة الروشة الشهيرة بصورة السيد حسن نصر الله في الذكرى السنوية الأولى لاغتياله.
نعم، دفاعاً عن الجيش. وتذكير بخطورة الاستحقاقات بدءاً من حصر سلاح حزب الله، ونزع السلاح الفلسطيني في المخيمات، وصولاً إلى المخاطر على الحدود الجنوبية أو الشرقية. هل تراجعت كل تلك الاستحقاقات وتقدمت أولوية المواجهة العسكرية مع مضيئي صخرة الروشة؟! أليس في قاموس مستشاري السراي أنه ربما هناك من يحاول استغلال الوضع وجرّ البلد إلى "انطباع بأن الجيش غير قادر"، وإحياء مشاريع وخطط لم تعد تُغلفها السرية، ومنها تعزيز دور اللجنة الأمنية الخماسية الدولية برئاسة الجنرال الأميركي ديفيد باتريوس المرشح لأن يحل مكان الموفد الرئاسي الأميركي توم براك؟
في التقدير، تجمع صخرة الروشة يصب في خانة الضغط في الشارع لتحصيل مكاسب في السياسة، وقد يكون باكورة انطلاق الحملات الانتخابية. وفي اليقين أن معظم، وربما كل، الأحزاب التقليدية في لبنان تعتاش على إكسير غياب دولة المؤسسات كي تحافظ على نفوذها في المؤسسات. وعلى العهد الجديد أن يدرك أن بوابة قيام دولة المؤسسات تكون بإقصاء سلاح نفوذ قوى الأمر الواقع في كل إدارات الدولة قبل الوصول إلى موقعة الانتخابات النيابية العام المقبل. دعوا الناس تشعر بأن الكفاءة هي معبر التوظيف، وأَسِرّة المستشفيات للمريض المواطن، ومنح التعليم للمجتهد أياً يكن مذهبه.
القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع اللبنانيين هو الجيش اللبناني.. فلنحمه.