في تصريحاته الأخيرة، شبّه بنيامين نتنياهو إسرائيل بإسبرطة القديمة، تلك المدينة التي جعلت من السلاح هويتها الوحيدة ومن الحرب أسلوب حياة. جاء هذا التشبيه في لحظة فارقة، حيث تتسع دائرة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وتتصاعد العقوبات من دول غربية، وخاصة أوروبية، إلى جانب مواقف عربية أكثر انتقادًا لسياسات إسرائيل. أراد نتنياهو أن يرسل رسالة مفادها أن البقاء في محيط معادٍ لا يتحقق إلا بالقوة، وأن إسرائيل مثل إسبرطة محكومة بأن تعيش في حالة حصار دائم وحرب دائمة ولا عجب في اختيار رئيس جهاز الامن العام الجديد من اليهود المتشددين الذي يؤمن بالحرب الأبدية لشعب اسرائيل.
غير أن التاريخ يروي مسارًا مختلفًا. إسبرطة بلغت ذروة قوتها بعد أن هزمت أثينا، لكنها سرعان ما تراجعت لأنها لم تعرف سوى لغة السيف. تجاهلت الاقتصاد، أهملت الدبلوماسية، ورفضت التسويات، فوجدت نفسها وحيدة أمام تحالفات أوسع وأكثر مرونة. وعندما تغيرت موازين القوى، لم تنفعها جيوشها ولا انضباطها العسكري، فسقطت أمام طيبة ثم خضعت لمقدونيا وروما، لتتحول من قوة مهابة إلى مدينة تابعة.
إسرائيل اليوم، رغم تفوقها العسكري والتكنولوجي ودعم الولايات المتحدة، تواجه عزلة متنامية اقتصاديا وسياسيا ما حدا بنتانياهو التصريح ان اسرائيل تعاني من عزلة وعليها التكيف باقتصاد محصور في في الدولة وحدها.
من جهة اخرى فان موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية تكشف أن العالم لم يعد يتقبل منطق القوة وحده، والعقوبات الأوروبية والتهديد بالمزيد منها، تمثل مؤشراً على أن الدعم الغربي لم يعد مطلقًا. أما في الإقليم، فإن التطبيع المحدود لا يعوض عن فقدان الشرعية في محيط عربي واسع، مع ان معاهدات السلام الموقعة بدأت تبهت ألوانها مع استمرار اسرائيل في نقضها وضربها عرض الحائط.
الدرس واضح: إسبرطة لم تسقط لأنها كانت ضعيفة عسكريًا، بل لأنها عجزت عن أن تكون أكثر من جيش. القوة التي لا يرافقها عقل سياسي ودبلوماسية قادرة على بناء الجسور تتحول إلى سلاح يرتد على صاحبه. وإذا أصرت إسرائيل على أن ترى نفسها "إسبرطة الحديثة"، فإنها تخاطر بأن تنتهي إلى المصير ذاته: قوة عسكرية محاصرة، لكنها في النهاية مجرد كيان معزول وملحق بغيره.