في خضم التوترات المتصاعدة التي تعصف بالعالم، يتزايد الحديث عن سيناريوهات معقدة قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث تتشابك التكهنات السياسية مع الروايات التاريخية والدينية لترسم صورة قاتمة لمستقبل المنطقة، خصوصًا مع اقتراب عام 2028 الذي يعتبره البعض محطة فارقة. في هذا المقال سأستعرض الأفكار التي تطرح سيناريو حرب إقليمية واسعة وأُحللها من منظور يربط بين الصراعات المحلية والتحولات الدولية الكبرى.
يشير هذا السيناريو إلى أنَّ عام 2028 قد يكون نقطة تحول حاسمة، حيث يُتوقع أن تكون أوروبا قد أنهت درعها الدفاعي على "ممر سوالكي"، مما قد يشعل فتيل حرب محتملة مع روسيا، وفي الوقت نفسه يُقال إن إسرائيل، مع بلوغها عامها الثمانين، قد تشعر بالضعف نتيجة انشغال حلفائها الغربيين، مما يدفعها إلى تأمين حدودها عبر خطة توسعية تقوم على تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية.
تزعم هذه الرؤية أن لبنان سيكون نقطة البداية، حيث ستقود محاولات نزع سلاح حزب الله إلى مواجهة داخلية، وبعد السيطرة على جنوب لبنان سيتجه الصراع إلى سوريا، حيث تسعى إسرائيل إلى تأمين حدودها الجنوبية عبر تحالفات مع الدروز في السويداء، تمهيدًا لتقسيم البلاد إلى كيانات طائفية: دولة علوية على الساحل تحت النفوذ الروسي، ودولة كردية في الشمال الشرقي، ودولة سنية في الوسط، ودولة درزية، وفي هذا السياق يُنظر إلى طرابلس في شمال لبنان كمنفذ بحري محتمل للدولة السنية السورية.
يُطرح في هذا الإطار أنَّ المخططات الغربية والإسرائيلية تعتمد على أربع أدوات رئيسية لترسيخ هذا السيناريو: التقسيم الطائفي، الإعلام الموجه، الاقتصاد، واستخدام الجماعات الإسلامية. فبعد حرب 1967 يرى البعض أنَّ الغرب دعم صعود الجماعات السلفية الجهادية في مقابل تسهيل وصول الخميني إلى السلطة في إيران، وهذا استغلال للخلاف التاريخي بين السنة والشيعة الذي يعيدنا إلى الصراع بين الدولة العثمانية والصفوية، الذي أصبح أداة فعالة لتنفيذ "مشروع إسرائيل الكبرى" أو "الشرق الأوسط الجديد".
بدأ التنفيذ الفعلي لهذا المخطط مع بداية الحروب الطائفية في اليمن وتأسيس جماعات سلفية في سوريا، ما أدى إلى تشظي الدول خدمة للأجندات الإقليمية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، لعب الإعلام دورًا محوريًا في هذه اللعبة، حيث يُنظر إلى تأسيس قناتي الجزيرة والعربية كجزء من خطة أكبر لإلهاء الرأي العام العربي، بينما تتصارع الأنظمة ومعارضوها في فضاء إعلامي يخدم في النهاية الرواية الغربية. أما اقتصاديًا، فقد رُسمت صورة للدول الخليجية على أنها دول متحضرة ومسالمة، في مقابل صورة إيران كدولة مسببة للمشاكل، ما يهدف إلى إقناع المشاهد العربي بأن الابتعاد عن الصراع هو الطريق إلى الازدهار.
وفقًا لهذا التحليل، فإنَّ الحرب الإقليمية الوشيكة ستكون مواجهة بين أربع قوى رئيسية: تركيا، إيران، مصر، والسعودية. وهذا الصراع سيتزامن مع صراعات دولية على الممرات المائية والاقتصادية مثل قناة بنما وممر الهند - أوروبا وممر زنجزور، حيث يُرى أن هذه الممرات تُستخدم لقطع طرق الإمداد الصينية والإيرانية لروسيا في سياق حرب عالمية ثالثة محتملة.
كما يُطرح أن الولايات المتحدة تسعى لضرب الجماعات المرتبطة بالصين في فنزويلا وقطع مصالح روسيا وإيران في آسيا الوسطى عبر ممر زنجزور. أما في الشرق الأوسط، فإنَّ ممر الهند - أوروبا يفرض ضرورة تأمين المنطقة من النفوذ الإيراني، وهذا التشابك سيؤدي إلى مواجهة محتملة بين تركيا وإيران في سوريا، وفي البحر الأحمر مصر والسعودية من جهة، ومن جهة أخرى اليمن. ومن خلال هذا المشهد المعقد، الذي يشمل تفكيك الجمهوريات والممالك الكبيرة، يهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي ورد في كتاب بنيامين نتنياهو "مكان تحت الشمس" عام 1993.
خلاصة القول إنَّ هذا السيناريو، بالرغم من اعتماده على تكهنات مبنية على أحداث التاريخ والحاضر، يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل المنطقة، وأهمها: هل نحن بالفعل أمام مخططات كبرى تهدف إلى تفكيك الدول العربية؟ وما هو دورنا كشعوب في مواجهة هذه التحديات؟ ويظل الوعي بالأبعاد الجيوسياسية للصراعات الحالية خطوة أولى نحو فهم أعمق لما يجري. ففي عالم تحكمه المصالح المتضاربة، من الضروري أن نميز بين الحقائق والروايات الموجهة. إن تعزيز الوحدة الوطنية والترابط الإقليمي قد يكون السبيل الوحيد لمواجهة أي محاولات تهدف إلى تفكيك المنطقة وإضعافها. والسؤال: هل يمكننا تجاوز هذه المرحلة الحرجة والخروج منها أقوى، أم أننا سنستسلم للفوضى التي تُخطط لنا؟ هذا ما ستكشفه الأشهر القادمة.