في لحظةٍ من لحظات المجد، وفي صفحة لا تشبه سواها من دفتر الإمارات، كتب القدر أن يكون الشيخ حمد بن محمد الشرقي حكيمًا للفجيرة، ووالدًا لأهلها، وراعيًا لمسيرتها... فكان كما أراد الله له: سليل مجد، ورافع وطن، وسند لشعبٍ لا يعرف للكرامة بديلاً.
واحدٌ وخمسون عامًا، لا تُعدّ بالأيام، بل تُوزَن بالإنجازات، وتُسرد كأنها أنشودة فخرٍ طويلة، تروي حكاية حاكمٍ أحبّ أرضه، فبادلته الحب نماءً، والماء خضرةً، والناس وفاءً.
لقد عرفته عن قرب، لا من خلف المكاتب ولا في مواكب الرسمية، بل في دفء المجالس، ونبض الشوارع، وهمس الناس البسطاء... رأيت فيه وجهًا يحمل نورًا من السكينة، وصوتًا يُلقي السلام كما يُلقي الحُكم، بتؤدة الحكيم لا عجلة المتسلّط.
في قلب سموّه، ينبض عشقٌ عميق للإمارات، لوطنٍ صنع من الرمال ذهبًا، ومن الاتحاد قوة.لم يكن حب سمو الشيخ حمد للفجيرة إلا امتدادًا طبيعيًا لحبه لدولة الإمارات بأسرها... هذا الوطن الذي آمن به الحُكام المؤسسون، وسار على دربهم بخطى ثابتة ووطنية صادقة. في كل قرار يتخذه، ترى في خلفيته مصلحة الاتحاد، وفي كل مشروع يطلقه، تسمع صداه في ربوع الوطن الكبير.
هو لا يفصل الفجيرة عن جسد الإمارات، بل يراها شريانًا حيويًا في قلب الدولة، وهو ما جعل الفجيرة اليوم أيقونة تُجسّد فكرة التوازن بين الهوية المحلية والانتماء الوطني الشامل.
لقد قدّرت لي الأقدار أن أكون شاهدًا على هذه التجربة الاستثنائية، إذ أمضيت في إمارة الفجيرة عشرين امًا، جمعتني بالناس والأرض، وربطتني برؤية الحاكم الإنسان. عملت خلالها عميدًا لكلية الإعلام في جامعة عجمان سابقا (جامعة الفجيرة حالياً)، ومستشارًا في هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، فأشهد بما لمسته عن قرب:أنك حين تتعامل مع سمو الشيخ حمد، فأنت تتعامل مع رجلٍ يصنع السياسة بروح الإنسان، ويكتب التنمية بقلم الوفاء، ويُدير الإمارة بقلب الأب وعين القائد.
هذه العشرين عامًا، لم تكن مجرد عمل أكاديمي أو وظيفي، بل كانت مدرسة في الحكمة والتواضع والقيادة، تعلّمت فيها أن المجد لا يُصنع بالصوت العالي، بل بالقرارات الرصينة، وأن الهيبة ليست في الأوامر، بل في احترام الناس.
هو ليس حاكمًا فحسب، بل راوٍ حاذق لتاريخ الفجيرة، وكاتبٌ لصفحات حاضرها، وناحتٌ على صخر التحديات لبنية مستقبلها. في حضرته، عرفت أن الحاكم الحقيقي لا يُقاس بطول القصور، بل بمدى اتساع قلبه لكل بيتٍ في الإمارة. ولا يُوزَن بكثرة القرارات، بل بحكمة الصمت حين يكون الصمت أبلغ من كل بيان.
رأيتُه كيف يسير على خيوط التوازن بين الأصالة والتجديد، بين الوفاء للجذور، والطموح نحو الفضاءات الرحبة. لم يُغره الزهو، ولم تلهِه المظاهر... بل ظل إنسانًا يلبس الحكمة كما يلبس الثوب الأبيض: نقيًا، نظيفًا، دون تكلف.
لقد عشت في رحاب هذه الإمارة العزيزة، وعلى مرمى القلب من حكيمها الكبير، ما يكفي لأفهم أن الحاكم الحقيقي ليس من يسوس الناس، بل من يسير معهم... ويصغي إليهم... ويشبههم في إنسانيته.
فكل عام وأنت يا صاحب السمو ضمير الفجيرة، ورمز رُقيّها، ومُعلم أجيالها أن الحُكم شرفٌ لا يسكن القصور، بل الأرواح الصادقة.
وختامًا...
حمد بن محمد الشرقي، هو اسمٌ إذا ذُكر اقترن بـ"الحكمة"، وإذا كُتب اقترن بـ"الكرامة"، وإذا تحدّثنا عنه، عرفنا أن أعظم سلطة هي أن تُحَبّ وأنت في موقع القوة، لا أن تُخشى.
في الذكرى الحادية والخمسين، لا نُحيي فقط يومًا في التاريخ، بل نُحيي مسيرة من الإخلاص، مدرسة من التواضع، وسيرة حاكمٍ لا تملّ الأرض من عطائه، ولا تكتفي السماء من بركته.