"المؤمن إذا وعد وفى.. وهو لا يعد بما لا يقدر على الوفاء به"
في سياق خطابه بالأمم المتحدة، ألقى الرئيس السوري أحمد الشرع أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 التي انعقدت في 24 أيلول (سبتمبر) 2025 بنيويورك، وفي سياق كلمته تعهد أمام المجتمع الدولي بالعمل على محاكمة من تلطخت يداه بدماء الأبرياء في سورية؛ وهي فقرة مهمة من ضمن الخطاب لإقناع المجتمع الدولي بأنه قادر على جعل سورية دولة القانون وليست ساحة تعج بالفصائل الفوضوية التي لم يسلم المواطن السوري من انتهاكات عناصرها إلى الآن بالرغم من توحيد الجيش والأمن.
ويظهر أنَّ جوهر الخطاب عوَّل على تأثير الكلام في المستمعين لحظتها وقدرته على النفاذ إلى أفئدة الحضور، وربما لم يكن الوقت متاحاً للتأمّل في تبعات تلك الجمل وما ينبغي أن يقابله من أفعال حقيقية على أرض الواقع فيما بعد، فالخطاب كان سبكه جيداً بالنسبة للمهتمين باللغة والأسلوب، وكان ممتازاً بالنسبة لمؤيدي الرئيس الشرع، ولكن لا نعرف مدى اقتناع الغربيين بفحواه، فالكلمة من جهة ألهبت مشاعر محبي الشرع ولكن في نفس الوقت فمضمونها كبّل الرئيس بالوعود التي ليس من السهولة بمكان تنفيذها على الأرض وفق المعطيات الراهنة.
وعلى سبيل المثال، كانت منظمة العفو الدولية قد كشفت في 2 أيلول (سبتمبر) من هذا العام أدلة على تنفيذ القوات الحكومية والقوات التابعة لها عمليات إعدام خارج نطاق القضاء بحق عشرات الدروز في السويداء، وقالت المنظمة إنَّ عمليات الإعدام نفذها أفراد من القوات الحكومية والقوات التابعة لها ببذلات عسكرية وأمنية تحمل بعضها شارات رسمية، وجرت عمليات الإعدام في ساحة عامة، ومنازل سكنية، ومدرسة، ومستشفى، ودعت المنظمة الدولية الحكومة السورية إلى محاسبة أفراد قوات الأمن والقوات العسكرية الحكومية وأفراد القوات التابعة لها؛ بينما إلى الآن لم ينل أحد من القتلة جزاءه العادل لا في السويداء ولا حتى عن الجرائم المرتكبة في الساحل السوري. فكيف سيفي الشرع بوعوده إذن؟ أم أن مَن يقصدهم الرئيس الشرع في الخطاب هم قتلة النظام السابق وليس مجرمو النظام الحالي؟
وبخصوص العدالة المنشودة، بسبب تداخل وتضارب المصالح، لم يستطع في السابق تحقيق ولو جزء بسيط من العدالة في إدلب فكيف بمقدوره تحقيقها في عموم سوريا، علماً أن إدلب كانت في قبضته وكان بمقدوره آنذاك معرفة كل شاردة وواردة فيها وكان متحكماً بها، حيث إنه لم يستطع محاسبة القتلة الذين ارتكبوا جريمة وقعت مساء 20 آذار (مارس) 2023، أي ليلة عيد النوروز في ناحية جنديريس، حين أطلق ثلاثة عناصر من فصيل "جيش الشرقية" التابع للجيش الوطني السوري النار على أفراد عائلة كردية، لإشعال النار في حي صلاح الدين ببلدة جنديريس بريف منطقة عفرين احتفالاً برأس السنة الكردية (نوروز)، وقتلت نيران العناصر أربعة أفراد، وأصيب الخامس بجروح خطرة. ووقعت الجريمة النكراء على مرأى ومسمع المارة والشهود، وكان القتلة معروفين، علماً أن أهالي الضحايا قصدوا إدلب وقتها وطالبوا النجدة من الشرع الذي كان الجولاني حينها ووعدهم آنذاك بأن ينال القتلة جزاءهم العادل، ولكنه كما يفعل الآن في الأمم المتحدة، وعدهم ولكنه لم يستطع الإيفاء بما وعد، فلا استطاع محاسبة المجرمين ولا أنصف الضحايا، والغريب أنه كان آنذاك على تواصل مباشر مع أزنخ فصائل الجيش الوطني في الشمال السوري، إذ أن أكثر الفصائل إجراماً وأكثرها فساداً ولصوصية، ولديها ملفات كبيرة متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، كانت على علاقة جيدة مع قيادة هيئة تحرير الشام.
وإذا ما كان الرئيس في خطابه بالأمم المتحدة يقصد بمن تلطخت يداه بدماء السوريين الكل – أي قتلة النظام السابق مع مجاميع القتلة في عهده – فمن الممكن جداً أن يفلح مع مجرمي النظام السابق، وربما بمقدور سلطته محاسبة الكثير من العلويين والدروز والكرد وفق الهوى ومزاج أتباع السلطة الراهنة، ولكن كيف وبأي طريقة سيقدّم القتلة الحاليين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء إلى العدالة؟ وكيف سيحاكمهم بينما الذين لهم ملفات إجرامية فاقعة منذ سنوات صاروا جزءاً من حكومته؟ هذا عدا عن أنهم مسندون من دولة لها اليد الطولى في سوريا، إضافة إلى أن أدوات وأذرع تلك الدولة منتشرة في الشمال والعمق السوري، وليس بمقدور رأس السلطة المساس بهم، بما أن أدوات الأمير بمقام الأمير، فإن مس ذراعاً منهم فهو يمس صاحب الأذرع، ويمس من كان وراءها ويُلوح بها، من حث السلطة الحالية على ترقيتهم ووضعهم في مواقع المسؤولية في الحكومة الجديدة.