: آخر تحديث

الشارقة.. حكاية تنمية ومواطنة‎

1
1
1

 

في كل مرة تزور الشارقة، تشعر أن هذه الإمارة تحكي قصة مختلفة، قصة حاكم مثقف آمن أن الثقافة والتعليم ليست رفاهية بل ضرورة وجود، وأن الاقتصاد لا يزدهر إلا عندما يزدهر الإنسان. صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هو الرجل الذي استطاع أن يضع إمارة الشارقة في مكانة فريدة بين مدن العالم، حيث تجتمع الصناعة والتجارة مع الفن والمسرح والجامعة والمكتبة. منذ أن تولى الحكم في عام 1972 قاد مشروعاً حضارياً متكاملاً، لم يقتصر على بناء الطرق والموانئ والمطارات، بل بدأ ببناء الإنسان وصياغة وعيه. اليوم، اقتصاد الشارقة يسجل ناتجاً محلياً يقترب من 145.2 مليار درهم في عام 2023، بزيادة 6.5 بالمئة عن العام السابق، وهو دليل على تنوع اقتصادها الذي يعتمد على الصناعة بنسبة كبيرة، إذ تضم الإمارة أكثر من 35 منطقة صناعية تنتج ما يزيد على 48 بالمئة من إجمالي الإنتاج الصناعي في الإمارات، إضافة إلى قطاع تجارة مزدهر مدعوم بميناءي خالد وخورفكان اللذين يعدان من أهم موانئ الشحن في المنطقة، إلى جانب قطاع التعليم الذي يحتضن أكثر من 20 ألف طالب في المدينة الجامعية وحدها. هذه الرؤية الواضحة هي امتداد لفكر الحاكم الذي قال ذات يوم: "الثقافة هي هوية الأمة، وعلينا أن نحميها وننقلها للأجيال القادمة كما نحمي الأرض والعرض". الشيخ سلطان لم يكن حاكماً سياسياً فحسب، بل مؤرخاً وكاتباً أنتج كتباً مثل "سرد الذات" و"القواسم والعدوان البريطاني" و"حديث الذاكرة"، التي وثّق فيها تاريخ الخليج وصحّح فيها كثيراً من السرديات الغربية.

من الأمثلة التي تُجسد البُعد الإنساني للحاكم، استجابة الشيخ سلطان لمواطنين يعانون من خصم مرتباتهم بشكل كبير مما أثر على قدرتهم على بناء منزل. في حزيران (يونيو) 2023 وجه بالدعوة لبرنامج “Sharjah Housing” بالتعاون مع لجنة تسوية الديون، لمعالجة حالة المواطنين الذين يعملون خارج الحكومة والذين تُقتطع أكثر من نصف رواتبهم، لتسهيل حصولهم على سكن وبناء بيوتهم، وضمان سرعة معالجة طلباتهم.

كذلك عندما استمعت له إحدى السيدات المتابعة لبرنامج “الخط المباشر” والتي تحدثت عن حالة والدها الذي تنقطع عنه التغطية التأمينية في المستشفى، وبعد أن علم الشيخ سلطان بالوضع، وجه بأن تتحمل الإمارة تكاليف علاجه وتستمر في العلاج في مستشفى “برجيل” بأبوظبي، أو تنقله إلى مستشفى الجامعة في الشارقة إذا أرادت الأسرة ذلك.

وفي موقف آخر، استقبل الشيخ سلطان شكوى من مواطن يدعى “سعيد” خلال بث مباشر، قال إنه مدين للبنك بما يزيد على مليون درهم، والأقساط وكلفة الحياة أصبحت عليه أثراً ثقيلاً، وأن لجنة تسوية الديون رفضت طلبه بسبب حجم الدين. الشيخ سلطان استجاب للشكوى مباشرة من خلال البرنامج، ما يدل على أنه لا يتجاهل حالات المواطنين مهما كانت كبيرة وصعبة.

وبالتوازي مع ذلك، أسس منظومة ثقافية فريدة جعلت الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2014 وعاصمة عالمية للكتاب عام 2019، وأطلق مبادرات مثل "ألف عنوان وعنوان" و"ثقافة بلا حدود" التي وزعت آلاف الكتب على بيوت الإمارة لتكون المكتبة جزءاً من كل بيت. ولم ينس التعليم، فأسس جامعة الشارقة والجامعة الأميركية لتكونا منارات علمية يقصدها الطلاب من مختلف أنحاء العالم العربي، مؤكداً دائماً أن "الإنسان هو أساس التنمية، ولا تنمية من دون علم". إنجازاته امتدت إلى المسرح والفنون، فبنى المسارح ودعم المواهب، وإلى الإغاثة والعمل الإنساني في دول عربية وإسلامية من السودان إلى فلسطين. شخصية الشيخ سلطان القاسمي تجمع بين الحاكم والقارئ والكاتب والإنسان، وبين التاريخ والمستقبل، وهو ما جعل الشارقة نموذجاً فريداً لإمارة نجحت في خلق اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتجارة والمعرفة، واقتصاد إنساني يضع الإنسان أولاً قبل أي رقم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.