في الأمم المتحدة وبقيادة المملكة العربية السعودية وفرنسا أعلنت دول كثيرة ومهمة اعترافها بدولة فلسطين، بل إن هذا الاعتراف أجده عملاً حقيقياً يصل لمستوى كبير من حل الأزمة الفلسطينية والتفاعل معها، لا يهم كثيراً أن تتأخر بعض التفاصيل لتسوية هذا الأمر على أرض الواقع، المهم الآن أن لغة الحوار هذه المرة اختلفت ولم تقف عند حدودها السابقة، بل هناك خطوات عملية حقيقية تخدم القضية الفلسطينية، وتجعل لها صوتاً مسموعاً، وأن هناك من يدعم مسيرة هذه الدولة.
اليوم إسرائيل تغضب من هذا الاعتراف، ويصل غضبها إلى الولايات المتحدة التي بدورها تفاعلت مع هذا الغضب، الأمر الذي أثار حفيظة بعض الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، فليس من المنطق أن يتجاهل ترامب كل الأعمال العدائية من الجانب الإسرائيلي تجاه دول المنطقة ودول حليفة لأميركا دون أن يوجه لهم اللوم، وكأن ما يحدث من الجانب الإسرائيلي مرحب به عند ترامب.
في خطاب ترامب واجتماعاته مع الوفود المعنية بحل قضية فلسطين وإيقاف الحرب في غزة ورفع الحصار عنها وفتح المعابر لتقديم المساعدات لأهل غزة، تحدث عن إيقاف الحرب، بل إنه ألمح إلى أنه باستطاعته إيقافها الآن وفوراً، لكن بشروط لا تبدو صعبة على الحضور، وقد تكون صعبة على المعنيين بتنفيذها، وأقصد حماس التي من المفترض الآن، ومن أجل كل الدماء التي سكبت في حرب ليست متكافئة بين قوة لديها كل أنواع السلاح وأخرى لا تملك أبسط أنواعه، القادة في حماس اليوم يجب أن يغيروا طريقة تفكيرهم، ويفكروا بخطوات أكثر عملية تساعد على حل الدولتين وإعادة إعمار غزة والمحافظة على وجود دولة فلسطين لها كامل السيادة قبل أن يفنى هذا الشعب، وتُسلب كل حقوقه على أرضه.
منذ عامين والمجازر لم تتوقف، وهذا أمر يجعل كل مسؤول في حماس أن يعيد التفكير في الأمر جيداً. اليوم الدول المعترفة بفلسطين لديها قوة تأثير وتملك القدرة على فرض التفاوض في هذا الإطار، ولن تتنازل عن اعترافاتها، وهي خطوات إيجابية رائعة، وبالتالي أصبح من المهم أن تستشعر حماس هذا الأمر وتساعد على إنجاحه.
مطالب ترامب رئيس الولايات المتحدة ليست صعبة ويمكن تنفيذها، وعلى حماس تنفيذها فوراً للحفاظ على ما بقي من الفلسطينيين داخل غزة. قد يكون مزعجاً بعض الشيء اهتمام ترامب بالسلم العطلان وحديثه عن الأمر وسط هذا الغضب الدولي والشعبي ضد إسرائيل، وفي هذا التوقيت المفصلي، وأعطاه جزءاً من حديثه وغضبه، وفي تقديري لا يبدو التصرف لائقاً، لأن هناك بشراً يموتون بشكل يومي في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي لم يغضب منه ترامب كما غضب على سلم عطلان.
هذه التفاصيل البسيطة تعمق لدينا كعرب ومسلمين إحساسنا بالوحدة والبحث عن القوة والقدرة على فرض إرادتنا تحت أي ظرف من الظروف. لو أن ترامب تحدث عمّا يحدث في غزة من تهجير وقتل بحرقة كما تحدث عن السلم العطلان كان سيجد احتراماً أكبر، لكن لم يفعل، بالرغم من نواياه الصادقة في حل أزمة الشرق الأوسط.
عموماً يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتهوره وحماقته فتح للأمة العربية والإسلامية أبواب الاتفاق والاتحاد من أجل حل قضية مصيرية ظلت سنوات طويلة تعيش الصراعات والأزمات والحروب والمشاكل المتنوعة. اليوم المشهد أكثر نجاحاً مما سبق، وقد تصبح الحلول في الأيام القليلة القادمة واقعاً ملموساً.