: آخر تحديث

الأردن... معضلات متراكمة

1
1
1

 

الطبيعة لا تقبل الزحام، والناس يُخلقون في أماكن يجدون فيها ما يشبع حاجاتهم، وإذا لم يجدوا ما يأكلونه يهاجرون إلى حيث الكلأ والمرعى، هذه هي أصل الطبيعة والحياة قبل الاستقرار، وبعد الاستقرار فإن التزاحم في مربع صغير يخلق التناحر والعداء وضيق الحال وقلة المال والشكوى وعدم التقدم.

هذه المقدمة تفضي إلى حال الأردن اليوم، فقد كانت هذه الأرض المسماة شرقي الأردن، بلاداً شاسعة تعيش فيها القبائل وقطعانها من الإبل والغنم في رغد العيش، ويعيش في قراها بعض القرويين الذين يأكلون من خيرات الأرض في قراهم الوادعة حيث نهاية الأفق، كان هذا منذ أن خلق الله الأرض وما عليها.

بعد قيام الدولة الأردنية الحديثة، تدفق الناس على الأردن للعمل في حكومتها الناشئة، وكان هذا مقبولاً إلى حد ما، لأن أهل البلاد آنذاك لم يكونوا مؤهلين بالمستوى الذي يستطيع أهلها تسيير أعمال الحكومات، بينما أُدخل بعض أبناء القبائل إلى الجيش، وبقي القرويون في أراضيهم يعيشون سعداء.

مع ازدهار الأردن وقيام الحروب في محيطه، تدفق اللاجئون عليه من كل صوب وحدب، وبُنيت لهم المخيمات ليعيشوا عيشاً كريماً بين إخوانهم الأردنيين، على أمل أن تكون أزمة قصيرة عابرة، إلا أن بقائهم قد طال لتأخر حل قضيتهم، مما خلق في الأردن اليوم أزمات معقدة ومركبة ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. فنشأت أزمة المياه أولاً، فالطبيعة الأردنية تأتي بكمية محددة من الأمطار سنوياً، وهي تكفي لسكانها مع تزايدهم الطبيعي، ولكنها لا تكفي للملايين العابرين للحدود والمستقرين على أراضيه، من هنا نشأت معضلة المياه التي لا حل لها، مهما قمنا بتحلية المياه وحفر الآبار، فستبقى معضلة دائمة.

أما الزحام، فقد كان مقدراً للمدينة الأردنية أن تنمو بشكل طبيعي، بحيث تتوسع الشوارع وفق الحاجة، وتُبنى الأحياء على مدى عشرات السنين، إلا أن تدفق البشر غير المحدود على الأردن وسياسة التجنيس للمستثمرين واللاجئين والمضطرين جعل من المدينة الأردنية حالة غير طبيعية في النمو، بحيث إن الأردن كان قبل عشرين عاماً أربعة ملايين نسمة، واليوم أصبحت عمّان لوحدها أربعة ونصف ملايين نسمة، فلا حل لمشكلة الزحام ولا معضلة السير، مهما بنينا جسوراً وأنفاقاً وشوارع وطرقاً إضافية.

أمَّا البطالة والعمل، فكان مقدراً لسكان الأردن الأربعة ملايين قبل عشرين عاماً أن يزيدوا بمعدل بطيء يستوعبه القطاع الخاص والقطاع العام، إلا أن عدد البشر الذين يسكنون الأردن اليوم لا تستطيع أي حكومة أن تجد لهم حلاً أو توظيفاً. وهذا انعكس على مليونين وستمئة ألف طالب مدرسة (عدد طلاب المدارس اليوم)، فمهما بنينا من مدارس وصفوف إضافية لن نستطيع تأمين العدد اللازم لهذا الجيش الصغير من الطلاب بما يكفيهم من حاجاتهم التربوية والتعليمية والمرافق والمدرسين، مع مساعدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تقدم العديد من المدارس.

إذن، نحن نرث معضلات كبرى في الأردن لا حل لها، أما ما تقوم به الحكومات المتعاقبة من تحديث سياسي، وتحديث اقتصادي، وترشيق للقطاع العام، وإحالة إلى التقاعد، وتعيينات جديدة، وأحزاب ومؤتمرات متلفزة، فما هي إلا مكياج لتحسين شكل المعضلات الأردنية، وتمديد أمد الأزمات.

ما لم يجرؤ الأردن على الدخول في حقيقة المعضلات وأسبابها، وكيفية التخلص منها، من غير هندسة أو تلميع، فسيبقى الأردن يدور في حلقة مفرغة، وستتعاقب الحكومات ذات الأزمات، وستتناوب مجالس النواب والتعديلات الوزارية والمؤتمرات والتصريحات الحكومية بكلام حشو لا فائدة منه إلا شراء الوقت لتتعاظم الأزمات، وعندها سيكون الأردن أمام مأزق حاد لا رجعة فيه. حمى الله الأردن وقيادته وشعبه الطيبين.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.