في يوم الثلاثاء 23 أيلول (سبتمبر)، وفي اللحظة التي كان فيها الاهتمام الدبلوماسي العالمي منصباً على انطلاق اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تحول ميدان "داغ هامر شولد" والشوارع المحيطة بمقر الأمم المتحدة إلى مسرح لمواجهة ذات مغزى. احتشد آلاف الإيرانيين الأحرار وداعمو المقاومة الإيرانية — منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة — في مظاهرة حاشدة، مطلقين صيحات الاحتجاج ضد حضور رئيس النظام المعين، ممثل الفاشية الدينية الحاكمة في إيران. هذا التجمع الهائل، الذي وصفته وكالة أسوشيتدبرس بـ "بحر المحتجين"، كان في الواقع تجسيداً عينياً لـ "الرد الفوري والقاطع على الظروف"؛ رداً واجه مبعوث نظام الإعدام والمجازر، في أكثر المنعطفات العالمية حساسية، بأزمة شرعية عميقة.
"ماذا يفعل مبعوث نظام مناهض للإنسانية؟"
لم تكمن قوة المحتجين في أعدادهم فحسب، بل تجلت في رسالتهم. فبينما كانت وجوه آلاف شهداء طريق الحرية تُعرض على لافتات الحشود، كانت شعاراتهم تصرخ بالتناقض الجوهري بين مبعوث النظام ورسالة الأمم المتحدة.
خاطبت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الحشود في رسالة تلتها السيدة سونا صمصامي، ممثلة المجلس في الولايات المتحدة، قائلةً: "في حضوركم القوي أمام مقر الأمم المتحدة، يرى العالم أنكم تمثلون الشعب الإيراني؛ لا رئيس جمهورية ولي الفقيه، الذي أعدم أكثر من 1800 سجين في فترته الرئاسية القصيرة".
تحدّت هذه الرسالة الضمير العالمي بطرح سؤال صريح: "حقاً، ماذا يفعل مبعوث نظام مناهض للإنسانية في اجتماع الجمعية العامة؟ لماذا يُقبَل في الأمم المتحدة مبعوث نظام ارتكب قادته، وفقاً لتقرير مقرر الأمم المتحدة، جريمة الإبادة الجماعية؟".
وطالب المشاركون والمتحدثون في المظاهرة بوضوح بطرد رئيس خامنئي وبإحالة ملف الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
هزيمة استراتيجية و"آلية الزناد" على الشقيقة
تزامن هذا الحضور القوي للبديل الديمقراطي مع تسجيل هزيمة سياسية داخلية ثقيلة للنظام. ووُصِف خطاب بزشكيان في الجمعية العامة، في ظل الظروف الحرجة لعودة العقوبات النووية ("آلية الزناد") ووضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بأنه مجرد عرض لـ "مأزق" النظام.
في الوقت ذاته، أطلق خامنئي في خطابه بتاريخ 23 أيلول (سبتمبر) - تزامناً مع بدء العام الدراسي في إيران-، الذي وصف فيه التفاوض مع أميركا بـ "المأزق المحض" و"عديم الفائدة" وذا "أضرار لا تُعوّض"، رصاصة الرحمة عملياً على الاتفاق النووي. هذا الموقف، الذي أشار من منظور المراقبين السياسيين إلى عجز خامنئي في مواجهة دوامة الضغوط الدولية، جسّد حقيقة أن خامنئي يعلم أن التخلي عن البرنامج النووي يمثل "انتحاراً خوفاً من الموت" وإضعافاً شديداً لهيمنته في مواجهة خطر الانتفاضة. ونتيجة لذلك، اضطر النظام، بعد مناورات خداعية استمرت ثلاثة أشهر لتأجيل "آلية الزناد"، إلى تفضيل "السيئ" على "الأسوأ" ووضع نفسه تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
الحل الأوحد: نفي دكتاتورية "لا للشاه ولا للملالي"
أعلن المتحدثون الأميركيون البارزون المشاركون في التجمع صراحةً عن طريق مواجهة هذا المأزق. فقد أكدت السفيرة كارلا ساندز: "نظام طهران غير قابل للإصلاح، وسجله مكتوب بالدم. الحل ليس في المساومة ولا في الحرب؛ الحل يكمن في الشعب الإيراني والمقاومة المُنظمة." وأشارت، إلى مشاركة جيل الشباب في تجمعات المقاومة، داعيةً إلى الاعتراف بحق الشعب الإيراني في إسقاط النظام، ومطلقةً الرسالة الواضحة: "الشعب الإيراني ينفي الدكتاتورية سواء كانت من نوع العمامة أو من نوع التاج".
كما أكدت ليندا تشافيز، وهي تشيد بكفاح مجاهدي خلق الذي دام 60 عاماً ضد دكتاتوريتين، على حتمية التغيير، مضيفةً: "أرى في السيدة رجوي مركز الأمل. إنها لا تريد أن تنتخبها حكومات العالم، بل تريد أن تتاح الفرصة للشعب الإيراني لاختيار قائده بنفسه."
الإرث التاريخي والتقاء الأجيال الجديدة
شكل تجمع 23 أيلول (سبتمبر) تجسيداً تاريخياً لـ "الرد على الظروف" من خلال التنظيم؛ حيث نشرت الأجيال المختلفة من أنصار المقاومة الإيرانية "سهل شقائق النعمان للحرية" أمام الأمم المتحدة. كان هذا المشهد تجسيداً للعزيمة والكفاح الذي دام أجيالاً، عرضوا خلاله النضال والمقاومة ورفض الاستسلام من إيران إلى حدود العالم.
هذه الأجيال الجديدة، التي تجاوزت كل أشكال الدكتاتورية في الماضي والحاضر، لا تصنع باحتجاجها ورسالتها مجرد معارضة، بل تصنع مستقبل إيران. فمطالبهم واضحة ووحيدة: "سيادة الشعب" و "جمهورية تتألف من مواطنين ذوي فكر تعددي"؛ أمنية لن تتحقق إلا من خلال الاعتراف بنضال ومقاومة هذا الشعب. هؤلاء هم الصوت القوي لإيران الحقيقية التي لا تستسلم.