عجّلت التطورات الدراماتيكية المفاجئة التي طرأت على القضية الكردية لتكون موضوع طرحنا اليوم ضمن هذه السلسلة التي سنتناول فيها بعض المشاكل التاريخية والجيوسياسية لبعض الأعراق والتي نعتناها بالأعراق القلقة لأسباب كثيرة، منها أن هذه الأعراق لها تاريخ طويل من عدم الاستقرار الجغرافي والسياسي والاجتماعي، وقد بدأنا باليهود كعرق لا كعقيدة.
وفي طرحنا اليوم سنتناول المسألة الكردية، ولا أدعي الإلمام التام بالقضية الكردية، لكن أدّعي بأنني من متابعيها، وبالأحرى من مناصريها لأبعد الحدود، فالقضية الكردية متفردة بالوضوح الجغرافي والتاريخي والاجتماعي الذي يجعل الظلم الواقع عليها من كل الأطراف هو ظلم بيّن ارتُكب في حق هذا الشعب الذي عانى لعقود طويلة أشد المعاناة في كفاح مستميت من أجل استقلال أراضيه وحقه في وطن قومي، والمفارقة أنَّ المجتمع الدولي قد استطاع أن ينشئ وطناً قومياً لعرق متشرذم في الشتات، لكنه لم يستطع أن ينشئ وطناً لعرق يملك الأرض ويعيش عليها ومعه كل صكوك الملكية، تاريخاً وجغرافيا.
إقرأ أيضاً: أمة المهاجرين
وفي رأيي الشخصي أنَّ الأكراد ليسوا عرباً، ويظهر ذلك جلياً في ثقافتهم الموروثة ولغتهم التي لم يتنازلوا عنها (كما حدث مع الأقباط على سبيل المثال) مما ساعدهم على الاحتفاظ بهويتهم، وكذلك جيناتهم المطبوعة على ملامحهم المميزة. عامل آخر يؤكد أنهم عرق متفرد هو وضع المرأة المتميز في مجتمعاتهم، بالإضافة إلى موقع رقعتهم الجغرافية المتصلة، والتي صمدوا فيها بالرغم مما عانوه لقرون طويلة.
وقد انخرط الكرد كمحاربين أشداء في صفوف كل الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكمهم، وساهموا في انتصاراتها على أمل مكافأتهم بوطن، بدءاً من جيوش المسلمين والفرس والروس حتى العثمانيين، لكن الجميع خذلوهم بعد أن نالوا غرضهم منهم، مما دفعهم للثورة مراراً كثيرة، لكن كل ثوراتهم انتهت بإخمادها، وربما كانت خلافاتهم واختلافاتهم وصراعاتهم الداخلية هي سبب رئيس في فشل كل ثوراتهم على مستعمريهم.
إقرأ أيضاً: أسماء الأشياء... الحصاد المر
وأخيراً، وعلى استحياء، ساعدتهم الظروف وظفروا برقعة، وإن كانت منقوصة السيادة، إلا أنها قد تشكل نواة لدولة في المستقبل، وربما المناوشة بمحاولة استقلال كردستان الفاشلة عن العراق التي قاموا بها أظهرت طموحهم الأزلي إلى وطن مستقل، كما أظهرت أيضاً كمّ الإصرار المحيط بهم على عدم حصولهم على دولة خشية التداعيات المحتملة، بل والمؤكدة، على محيطهم الجغرافي، وبالأخص في تركيا، عدوهم التاريخي، والتي كانت العقبة الكؤود أمامهم طوال تاريخهم، والتي يعيش فيها أكبر تكتل جغرافي وديموغرافي كردي.
ومع التسليم بوجود مثقفين كرد كُثُر لهم باعهم الطويل في قضيتهم، لكن ربما النظر للقضية من بعيد، أو على الأصح من غريب، ربما تكون نظرة محايدة ولو نسبياً.