: آخر تحديث

باي باي أوجلان

3
4
2

ظهور حزب العمال الكردستاني في أواخر السبعينيَّات من القرن الماضي هو أسوأ ما حصل للكرد في تاريخهم المعاصر، وأفضل ما قد يحصل لهم في المستقبل القريب هو اختفاء هذا الحزب بكل فروعه ومشتقاته. وكلما سألني أحدهم عن كيفية التخلص من هذه العاهة المستديمة التي أصابت الكرد في مقتل، كنت أقول: بقاء هذا الحزب من عدمه بيد أنقرة.  

عملية السلام التي أُعلن عنها قبل بضعة أشهر في تركيا، بإشراف غير علني من الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان، تجري بشكل حسن وسلس، وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، سنشهد خلال الأشهر القليلة القادمة، وقبل انقضاء العام الحالي، نهاية وخاتمة سعيدة لهذه العملية التي جرى التخطيط لها بعناية في أنقرة.  

قبل شهر من الآن، وبالتحديد في 18 شباط (فبراير) الماضي، خطا السيد عبد الله أوجلان من سجنه في إمرالي الخطوة الأولى في مسار عملية السلام الجارية، برسالة مقتضبة من خط يده، يعلن فيها عن رفضه لكل ما هو قومي كردي، وأن ديمقراطية الشعوب وأخوة الشعوب هي غايته ومنتهى أمنيته، والسلاح يجب تركه والتخلي عنه، وحزبه حزب العمال الكردستاني يجب حله وفسخه. رسالة أوجلان هذه أُرسلت لثلاث جهات: قيادات "بي كا كا" في جبال قنديل، ومظلوم عبدي قائد قوات "قسد" في شمال سورية، وأوروبا حيث يتواجد أتباعه ومريدوه بكثرة.  

إقرأ أيضاً: البطيخ يقطع بالمقص

الرد بالموافقة من قبل قنديل لم يتأخر، فأوجلان كان واضحاً في رسالته وقد كفى ووفى وعمل ما باستطاعته، ولأن طلباته أوامر بطبيعة الحال، ستعمل قيادات قنديل على عقد مؤتمر للحزب في قادم الأيام كما طُلب منها، وسيكون مؤتمرهم الأخير إن شاء الله، يعلنون فيه عن حل حزبهم المشؤوم وإلقاء سلاحهم. أما السيد مظلوم عبدي، قائد ميليشيات "قسد"، وهو عضو في حزب العمال الكردستاني منذ نعومة أظفاره، والابن الروحي لعبد الله أوجلان، فقد صرح في البداية وعلى العلن، أنَّ الرسالة موجهة لحزب العمال الكردستاني، وأنها لا تخصه ولا تخص "قسد" كونهم سوريين، لكن العبرة بالنتائج لا بالتصاريح، حيث استعجل عبدي إلى دمشق، وحتى يثبت أنه ابن أبيه والأكثر وفاءً وحرصاً على تنفيذ أوامره، قام بالتوقيع مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في العاشر من آذار (مارس) الحالي، على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة، دون أي امتيازات تُذكر للمكون الكردي السوري.

إقرأ أيضاً: أسعد الشيباني البلبلُ الغردُ

الرئيس أردوغان، المهندس البارع لعملية السلام الجارية اليوم، أعلن بدوره عن رضاه عن الاتفاق الذي حصل بين السيد عبدي والرئيس أحمد الشرع، بعد مرور 24 ساعة من إعلان بنود تلك الاتفاقية، ولم يكتفِ بذلك، بل أرسل وفداً رفيع المستوى من حكومته إلى دمشق، يترأسه وزير الخارجية التركي السيد هاكان فيدان، للوقوف على تفاصيل الاتفاق وإعطاء بعض النصح والإرشادات للقيادة السورية. وفي خطوة مباركة تصالحية أخرى، وبعد مقاطعة طويلة من طرف الرئيس أردوغان لحزب المساواة والشعوب الديمقراطية المحسوب على أكراد تركيا، أعلن الرئيس أردوغان عن قبوله واستعداده للقاء بعض القياديين من الحزب المذكور، طبعاً للوقوف على مجريات عملية السلام والبحث في مستجداتها.

مبادرة السلام التركية-الكردية تجري كما خُطط لها في أنقرة، وإصرار تركيا القديم الدائم على نزع سلاح "قسد" لم يعد مطروحاً اليوم، بل على النقيض من ذلك، تركيا تريد وبشدة انضمام "قسد" واندماجها بالقوات العسكرية والأمنية السورية. ولا يحتاج المرء إلى الحنكة السياسية لفهم الأمر وهضمه، فموافقة قنديل على حل حزب العمال الكردستاني من جهة، والأحداث الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، من عمليات قتل وحشية طالت المدنيين من أبناء الطائفة العلوية من جهة أخرى، دفعت تركيا إلى تغيير موقفها من ميليشيات "قسد". فانضمام أكثر من 100 ألف مقاتل محترف ومتمرس من "قسد"، ودمجهم في الجيش والأمن السوريين، يُعتبر تركة ثمينة خلفها حزب العمال الكردستاني المنحل قريباً، وهبة من الله للرئيس أحمد الشرع، ليس فقط من أجل استتباب الأمن والأمان في سورية، بل سيتم استخدام تلك القوات على أفضل وجه، لوضع حد لسيطرة المتشددين على الجيش السوري والإدارة السورية. فالعمليات العسكرية الأخيرة التي جرت في الساحل السوري، كشفت عن الوجه البشع لهؤلاء التكفيريين المنضوين تحت مظلة الجيش السوري، وهذا أمر خطير للغاية، قد يتسبب في جرّ الدولة السورية إلى مكان آخر، وهذا ما لا ترغب فيه تركيا ولا يتوافق مع طموحاتها بسورية موحدة مزدهرة حليفة وقابلة للحياة وتمتلك القيم والمعايير نفسها التي تمتلكها وتؤمن بها الحكومة التركية.  

إقرأ أيضاً: طوفان يحيى السنوار

خلال زيارته لتركيا في 4 شباط (فبراير) الماضي، الرئيس أحمد الشرع في مؤتمره الصحفي الذي عقده، لم يقل "الجمهورية العربية السورية"، بل قال "الجمهورية السورية"، وكررها مرتين على التوالي، لكن نص الإعلان الدستوري الذي صدر في 13 آذار (مارس) الحالي، والذي وقع عليه الشرع نفسه، أخذ بالاسم الدارج القديم، "الجمهورية العربية السورية". وقد يقول قائل: ما السبب وراء هذا التغيير؟ أعتقد جازماً أنَّ تغيير اسم الدولة من "الجمهورية العربية السورية" إلى "الجمهورية السورية" هو تحصيل حاصل، وسيثبت في نص الدستور السوري الدائم، كاستحقاق قادم مرتبط بنجاح عملية السلام التي تجري بين تركيا وعبد الله أوجلان.

العد التنازلي للتخلص من حزب العمال الكردستاني قد بدأ، وكلنا أمل وتفاؤل بزمن كردي أفضل في غياب هذا الحزب وأفعاله من إرهاب وعنف ودماء ونفاق وتهاون بحقوق الكرد وأرواحهم، "ودرب يسد وما يرد".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.