عاد دوري السوبر الأوروبي إلى الواجهة مرة أخرى.
خرجت الفكرة أول منذ 38 شهرا، لكنها وئدت قبل أن ترى النور، بعدما تخلت عنها 9 أندية من أصل 12 ناديا مؤسسا.
وجاء ذلك بعد معارضة واسعة، شملت في انجلترا رئيس الوزراء، وقتها، بوريس جونسون، والعائلة المالكة، عبر رئيس اتحاد كرة القدم، الأمير وليام.
لكن التصور عاد إلى الحياة مرة أخرى، وهذا ما سيشرحه لنا سيمون ستون، محرر الشؤون الرياضية في بي بي سي.
ما الذي حدث يوم الخميس؟
أصدرت محكمة العدل الأوروبية، في لوكسمبورع، قرارا ينص على أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) "تعسفا في استغلال مركزهما المهيمن" لتهديد أندية دوري السوبر الأوروبي ولاعبيها، بالعقوبات والإقصاء من المنافسات الكبرى.
وقالت إن القواعد التي تطالب بموافقة مسبقة على "المشروعات ما بين الأندية" لا "تلتزم بالقانون"، وإن احتكارهما التفاوض على الحقوق التجارية في المنافسات فيه تقييد للمعاملات التجارية.
ووصفت المحكمة قواعد الفيفا واليويفا المتعلقة باستغلال حقوق الإعلام بأنها "مضرة" بالأندية والمؤسسات الإعلامية والجمهور.
وبعدها بساعات خرج مقترح جديد لدوري السوبر الأوروبي، بمحتوى مختلف جذب إليه الانتباه مثل المقترح الأول، وكان رد الفعل أسرع وعلى نطاق أوسع.
هل هناك ما يقلق اليويفا؟
كان رد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على مرحلتين، فقد أصيب المسؤولون في الاتحاد بالصدمة عند سماعهم الخبر. لكنهم عندما اطلعوا على تفاصيل القرار تبين لهم أن الأمور ليست بالسوء الذي تصوروه في البداية.
فيبدو أن القرار يؤكد على مكانة اليويفا باعتباره مركز كرة القدم الأوروبية.
ومن الواضح أيضا أن القضايا التي اتهم بها، خاصة القواعد المتعلقة بالموافقة المسبقة، تمت معالجتها منذ الإعلان عن مشروع دوري السوبر الأوروبي الأول، وأن المحكمة اعتمدت في قرارها على المعلومات السابقة.
والخلاصة أن اليويفا لم يجد في قرار المحكمة ما يدعوه للقلق. وكما جاء في بيان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني أنفانتينو، فإن "قرار المحكمة اليوم لا يغير شيئا، في الواقع".
لكنه راق كثيرا للأندية التي أطلقت مشروع دوري السوبر الأوروبي، ولم يبق منها في الواقع إلا برشلونة وريال مدريد، بعد إعلان يوفنتوس نيته في مغادرة المجموعة.
ما هو شكل دوري السوبر الأوروبي؟
أصدرت المجموعة التأسيسية بيانا بعد إعلان قرار المحكمة، يقول فيه المدير التنفيذي، بيرند ريكارد، إن "احتكار اليويفا انتهى. كرة القدم أصبحت حرة".
وبعد ساعة من ذلك، أعلنت المجموعة تفاصيل مقترحاتها الجديدة، لدوري السوبر الأوروبي يضمن 64 فريقا للرجال توزع على ثلاثة أقسام، و32 فريقا للسيدات توزع على قسمين. ولم تذكر المقترحات الفرق بأسمائها، لكنها وعدت "بإيرادات مضمونة"، فضلا عن بث رقمي مباشر مجاني.
وكان ريكارد متحمسا في حديثه لبي بي سي عن التغيير في المشهد الكروي بالنسبة لمجموعة دوري السوبر الأوروبي وأنصارها.
وقال إن "القرار واضح وضوح الشمس. فهو يتحدث عن التعسف في استغلال المنافسة. لا شك في ذلك. إنه قرارعظيم ويوم عظيم لكرة القدم".
هل دوري أبطال أوروبا مهدد؟
وعقد رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ألكسندر سيفرين، مؤتمرا صحفيا في الواحدة ظهرا، رفقة رئيس رابطة الأندية الأوروبية، ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان، الذي لم يلتحق بمجموعة دوري السوبر الأوروبي.
وأصبح الرجلان أقوى المسؤولين في كرة القدم الأوروبية.
وقال سيفيرن: "ما يقترحون اليوم أكثر انغلاقا مما اقترحوه في 2021، وقد رفضه الجميع".
وأضاف: "لن نسعى إلى إيقافهم. بإمكانهم تشكيل ما يريدون. أتمنى أن تنطلق منافستهم الرائعة في أقرب وقت، بين ناديين اثنين. أتمنى أنهم على دراية بما يفعلون، لكنني لست متيقنا من ذلك. كرة القدم ليست للبيع".
رسالة ممثالة من الخليفي
وقال الخليفي: "ما هي شركة (إيه 22)؟، من أين جاءت؟، ما هو تاريخها؟، ما هو شكلها؟ نريد أن نتحدث مع أناس يتمتعون بالجدية".
وأضاف: "هناك ناديان أو ثلاثة أندية ليست معنا اليوم. لم نمنعها، ولم نهددها. إذا أرادت أن تلتحق بنا فإننا نرحب بها. فرابطة الأندية الأوروبية لم تقيد الطموح أبدا. هذه حقيقة".
وتابع: "نريد أن نمثل جميع الأندية. فمصلحتنا مشتركة".
وأضاف الخليفي: "إذا أرادوا أن يطلقوا مسابقتهم فيما بينهم، فلا بأس في ذلك. لكن أفضل مسابقة على مستوى الأندية في العالم هي دوري أبطال أوروبا. فهي منافسة اسمها معروف منذ سنوات طويلة. ونحن شركاء متماسكون فيها لحماية كرة القدم".
ما الذي قالته أندية الدوري الانجليزي؟
كان نادي مانشستر يونايتد سباقا بين أندية الدوري الانجليزي إلى تأكيد دعمه للوضع الراهن، قائلا: "موقفنا لم يتغير. فنحن متمسكون تماما بالمشاركة في مسابقات اليويفا، وبالتعاون الإيجابي مع اليويفا، والدوري الانجليزي الممتاز، وأعضاء رابطة الأندية الأوروبية الآخرين للاستمرار في تطوير كرة القدم الأوروبية".
وبعد 15 دقيقة، أصدرت أندية مانشستر سيتي، وتوتنهام، وتشيلسي، رسائل مشابهة، تضاف إلى بيانات أخرى صدرت عبر أوروبا. وانضم نادي أرسنال الجمعة إلى الأندية المعترضة على مشروع دوري السوبر الأوروبي.
ونأى بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند بنفسيهما عن مشروع دوري السوبر الأوروبي الجديد، مثلما فعل إنتر ميلان الإيطالي، وكان من بين الأندية المؤسسة للفكرة في طرحها الأول.
وباستثناء، ريال مدريد وبرشلونة، لم يعبر أي ناد أوروبي عن رغبته في الانضمام إلى فكرة دوري السوبر الأوروبي، بما في ذلك الأندية التي كانت مع الفكرة في طرحها الأول.
وهذا ما يجعل برشلونة وريال مدريد نظريا في موقف لا يحسدان عليه.
ما هي الأندية التي قد تنضم إلى الدوري الأوروبي الممتاز؟
وعلى الرغم من هذه الوضعية، فإن ريكارد كان إيجابيا في حديثه لبي بي سي.
وقال: "سيكون هناك صعود وهبوط، ويمكن للأندية المحلية أن تنضم على أساس أدائها الرياضي. نحن منفتحون وديقمراطيون. علينا أن نتحدث إلى الأندية والاتحادات".
لكن الأندية التي لم تحقق نجاحات في السنوات الأخيرة، وحققت إنجازا خارقا في أحد المواسم، مثل ليستر سيتي في عام 2016 ومفاجأة الدوري الإيطالي حاليا جيرونا، لا يمكن استبعادها.
وقال ريكادر: "بطبيعة الحال. فأنا أرى فريقا حقق نجاحا كبيرا مثل جيرونا ينضم إلى دوري السوبر الأوروبي".
وأضاف: "القد تطور الاقتراح. 99 في المئة من الانتقادات كانت ضد المشاركة الدائمة. فالجمهور اعتبر ذلك انتهاكا للمبدأ الرياضي في كرة القدم. ونحن نتحدث اليوم عن منافسة أوروبية مفتوحة، بالتوازي مع المنافسات المحلية، تلعب في منتصف الأسبوع. وإذا أقنعنا الأندية وجماهيرها فلماذا لا تنضم".
وتابع: "نريد أن نطرح مقترحا مقنعا للأندية و المشجعين. فالعديد من الأندية ساهمت فعلا في المقترح الذي طرحناه. والآن لا أحد يخشى العقوبات. يمكنهم أن يساهموا في المقترح ليكون محفزا ومقنعا لكل واحد. وإذا لم تقتنع الأندية لا يمكن لأي مقترح أن يتقدم".
ماذا عن الآراء خارج انجلترا؟
يقول الصحفي غيلام بالاغ، في حديث لبي بي سي: "الأفكار الجديدة مطلوبة لمعاجلة القضايا التي تنخر جسم كرة القدم".
ويضيف: "فهم يتحدثون عن كرة القدم وحرية البحث عن أفكار جديدة لتطوير اللعبة. يمكن فيها للأندية مناقشة مستقبل اللعبة والمخارف التي تترصدها في العلن، مثل عدد المباريات الزائد، وعزوف المشجعين الشباب عن حضور المباريات".
أما فكرة مشاهدة كرة القدم مجانا، فهذا أمر غير عقلاني. لا يمكن للفكرة أن تصمد من الناحية المالية. لكن هذه بداية النقاش. ولابد أن يأتي الاستماع إلى مختلف الآراء بنتيجة.
أما الصحفية الإيطالية، مينة رزوقي، فتقول: "أهم شيء أريده هو أن أرى مساواة اقتصادية بين الأندية. لا أريد أن أرى فريقين يتنافسان والفجوة المالية بينهما هائلة. هذا الأمر يدمر المنافسة. إذا عالج دوري السوبر الأوروبي هذه المسائل سأعطيه صوتي".
ويضيف الصحفي المتخصص في كرة القدم الإيطالية، جيمس هورنكاسل: "في النهاية نتمنى أن تنتصر المنافسة الأفضل. وصف الفكرة بأنها منشفة غير صائب. إنها منافسة إضافية. ستمنح للأندية إمكانية اختيار المنافسة التي تلائمها".
ما الذي سيحدث الآن؟
يبدو أن الحكومتين الإيطالية والفرنسية تسعيان لإصدار قوانين تمنع أندية البلاد من الانضمام إلى الفكرة. وفي انجلترا تميل هيئة ضبط نشاط كرة القدم إلى قص أجنحة الأندية الكبرى، معتمدة على سلطاتها القانونية إذا فكرت في الأمر.
وهذا ما سيحدث في المرحلة المقبلة.
وإذا طرحت شركة "إيه 22" مقترحا ورفضه اليويفا فلا يستبعد أن تعود به إلى المحكمة. وإذا طرح طرف آخر مشروعا ورفض أيضا فالأمر سيحدث.
وإذا رغبت الأندية في الانضمام وتخوفت من الإجراءات القانونية، فإن المحامين سيتدخولون.
لكن هناك طريقا آخر.
فرابطة الأندية الأوروبية أخذت تتوسع وتسعى إلى تسجيل 500 عضو على المدى القصير.
ومنذ أن انهار مشروع دوري السوبر الأوروبي، أظهر الخليفي حنكته السياسية. فهو رجل من دولة لها إمكانيات مالية وعلاقات، كما أنه له نظرة مستقبيلة.
فقد عمل مع اليويفا على إنشاء فرع للشؤون التجارية والتسويق. لكن الحل لن يكون في سيطرة الرابطة على اللعبة باسم الأندية الأوروبية، لأنها الفكرة نفسها التي تتبناها مجموعة دوري السوبر الأوروبي.
وربما تطلب نضوج رابطة الأندية الأوروبية سنوات لتكون قائمة بذاتها.
لكن لن يستغرب أحد إذا انتصر الخليفي ومجموعة المحامين في نهاية الأمر.