: آخر تحديث

حزبَي الطالباني والبارزاني وخلافاتهما الأخيرة..

29
37
25
مواضيع ذات صلة

ثمة أسئلة تُطرح هذه الأيام حول أسباب الخلافات المتجددة بين الإتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه حالياً السيد بافل طالباني والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني. وهناك مَن يستغرب فعلاً من إستمرار فشل الطرفين في إحتواء خلافاتهما الأخيرة رغم الخبرة المتراكمة لديهما في مجال التفاوض والحوار الوطني ومخزون الإتفاقيات السياسية المبرمة فيما بينهما.

والأمر في رأينا ربما بحاجة الى شيء من الدقة والتمييز بين التجارب السابقة والمستجدات الحالية. ويبدو أن هذه المرة تختلف أسباب صراعهم الى حد ما، وقد يكون هذا الإختلاف بعينه هو ما يفسر تعذر الوفاق والإتفاق الى اليوم، والمقصود منه علاقة الخلاف والصراع - هذه المرة - بملفٍ حساس للغاية هو ملف إدارة إقليم كردستان ومشاكلها وأزماتها المرتبطة مباشرة بحياة المواطنين في كردستان وإنعكاساتها على صورة وصيت الأحزاب المشاركة في الحكومة أمام الرأي العام الكردستاني، لاسيما مع إقتراب موعد إنتخابات الإقليم العامة وإنتخابات مجالس المحافظات القادمة.

ومشاكل هذا الملف تتمثل على ما يبدو وقبل أي شيء، في حدوث تراجعٍ تدريجي لمبدأ الشراكة في إدارة الحكومة. فمنذ عام والإتحاد الوطني كحزب أساسي مُشارك في الكابينة الوزارية يتهم الحزب الديمقراطي، الذي يترأس رئاسة الوزراء ورئاسة الإقليم وأغلب الوزارات السيادية والخدمية، يتهمه على أنه بات يتفرد بمقاليد السلطة والحكم في الإقليم ويستغل موقعه في هذه السلطات، وخصوصاً السلطة التنفيذية، لفرض إجندة حزبية ضمنية خاصة به على الجميع، ويخرق مبدأ أساسي مُلزم لأي حكومة على وجه المعمورة هو مبدأ التوزيع العادل للثروة والسلطة.

يتمثل الإتهام بصورة أوضح في أن رئيس الحكومة، السيد مسرور البارزاني، لا يتعاطى غالباً كرئيس سلطة مسؤولة عن أحوال جميع مناطق الإقليم، وتقتصر عطائآته وإنجازاته الإدارية في مناطق الحزب الذي ينتمي اليه أكثر، أي أنه يولي إهتماماً أكبر بمحافظتي أربيل ودهوك من حيث المشاريع الخدمية والإعمار وتوقيت توزيع رواتب موظفي الإقليم وفرص الإستثمار، بينما يمارس بالمقابل سياسة مجحفة بحق منطاق نفوذ شريكه الأساسي في الحكومة، هي سياسة فرض حصار إداري ومالي مُهلك على هذه المناطق وتأخير متعمد لصرف رواتب الموظفين فيها بحجج لا تليق -على حد تعبير الإتحاد- بمبدأ تقديم صورة السلطة التنفيذية في الإقليم كسلطة وطنية مسؤولة عن حقوق المواطنين جميعاً دون تمييز.  

من جانب آخر، نلاحظ منذ فترة أن ثمة وجه آخر أيضاً لهذا الملف الخلافي قد لايقل تأثيره عما أسلفناه على مشهد الصراع الدائر إن لم يكن سبباً حقيقاً في تعقيده أكثر!، ألا وهو إنعدام التفاهم بين الحزبين في الحكومة وممثليهما على جدوى الحوار الإداري الداخلي لكابينة الحكومة حول سبل إيجاد الحلول الإدارية لمتطلبات أهالي مناطق إقليم كردستان المختلفة والتعامل مع الأزمات الخاصة بإدارة الإقليم وتوزيع السلطات والإجراءآت الإدارية الكفيلة بتحقيق الإصلاح. 

وأسوأ من ذلك هو تحول خلافات الطرفين في الجهاز الإداري الى سجالات شبه يومية وتراشقات إعلامية وتبادل الإتهامات وإصدار بيانات متشنجة للرأي العام ضد بعضهما البعض!، الأمر الذي أساء دون أددنى شك الى هيبة الحكومة الحالية كحكومة إئتيلافية متماسكة وموحدة بعيدة عن الخلافات الحزبية والسياسية ومتفرغة تماما لأداء واجباتها الإدارية الوطنية.

وبخصوص هذا الملف، ليس ثمة حتى اليوم أي طرح آخر أو مبادرة جديرة بالذكر بإتجاه معالجة المشاكل الإدارية سوى الدعوة الى الحوار، والملفت في الأمر هو أن الموقف المبدئي للطرفين إزاء الحوار كسبيل للحد من تدهور الأوضاع مشجع الى حد ما، إلا أن الخلاف يدور حصراً حول الشروط المسبقة لهذا الحوار بل هي الشيطان الكامن في تفاصيل هذا الصراع والتي تحول دون تشجيع الطرفين على الدخول في حوار جاد و مثمر، الأمر الذي ربما أدى في النهاية الى  تدخل دبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام وحث الطرفين على التهدئة أولاً وتذليل العقبات أمام إجتماعهما وصولاً الى تفاهمات ممكنة تُنهي هذا التصدع الخطير في البيت الكردي.

وفي منظورنا نحن، تتمحور الحلول أساساً في ضرورة إحترام مبدأ الشراكة السياسية التي يطالب بها الإتحاد الوطني الكردستاني، ومفهوم الشراكة- بجملة - هو أن يتحملان الحزبان الرئيسيان كافة المسؤوليات السياسية والإدارية في الإقليم ولا يزايدان كل بعضهما البعض لأنهما في آخر الأمر مسؤولَين عن نجاح وفشل الحكومة والتجربة السياسية في الإقليم في أغلب الأمور والملفات. 

والنقطة التي نتفهمها في خطاب الإتحاد الوطني حيال هذه الخلافات هي وجود إشكالية التوزيع العادل للثروة في الإقليم فعلاً، إذ لم تكن الكابينة الوزارية -على حد تقدير المراقبين- موفقة في تطبيق هذا المبدأ كجزء أساسي من منهاجها، لا سيما أن هذا الأمر حساس للغاية لأن ثمة مناطق نفوذ للحزبين، وبالتالي أي تردد أو قصور إداري من طرف الحكومة في توزيع الثروة وتوزيع السلطات وتنفيذ المشاريع والخدمات والرواتب سرعان ما يسيء الى سمعة الحكومة وصورتها أمام الرأي العام في هذه المنطقة أو تلك، وعليه يستوجب دوماً على هذه الأخيرة أن تكون حكومة حريصة على التمسك بالمبدأ المذكور ومجمل إستحقاقاته الإدارية والمالية والمعنوية وتقديم الحكومة من خلاله في صورة سلطة تنفيذية كردستانية شاملة، بل خالية تماماً من أي مظاهر أو أجندات أو ممارسات تسبب في معاودة تفجر هذا الملف وتجدد الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في اقليم كردستان العراق.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي